وعودٌ على بدء نقول لكل الذين كلفوا بالإساءة إلى البعث وقياداته كما سبق الإشارة إليه في الحلقة السابعة، مؤكدين أنه لا يصح إلا الصحيح،مهما حاول أصحاب الغرض إقحام أنفسهم فيما لا يعنيهم ، إلا بقدر ما كُلفوا به من قبل الجهات المعادية للبعث العربي الاشتراكي وقياداته التاريخية، وسواء كان هؤلاء من داخل القطر أو من خارجه، فهم يعلمون أن البعث جبل لا يهزه ريح ولا تؤثر فيه زوابع وعواصف المزوبعين ومثيري الغبار، وإن ما يثيرونه من غبار لا يصيب إلا عيونهم وأبصارهم، ويعتم أكثر على بصائرهم الغائبة أصلا، هم ومن كلفهم والحاقدين الذين أعماهم حقدهم وغيب عنهم بصائرهم فأصبحوا لا يفقهون، نعم لقد جعل الله على قلوبهم غشاوة فانساقوا إلى توسيع دائرة أكاذيب الذين سبقوهم فتعاملوا معها وكأنها قولٌ منزَّل، وهم يعلمون أكثر من غيرهم أنهم يجارون كذبة مسيلمة الكذاب، ويؤدون خدمة مأجورة متفاعلين مع الدجالين الذين سبقوهم، فرحين بما لديهم، يرقصون على أوتار الحاقدين على البعث والأمة العربية، وينطبق عليهم قوله تعالى:(إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آَذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا)، فمهما حاولنا أن نصحح لهم ، فإنهم لا يذكرون ولا يبصرون إلا ما رُسم لهم وسُطر في أعماقهم ودُفن في ذاكرتهم المؤجرة والمبرمجة. وهكذا نسمع منهم هذيان الذين سبقوهم من المكلفين أيضا، في إطار المخطط المعادي لحزبنا وقياداته وأعضائه. وبالرغم من هذا كله دعونا نقول لهم اكذبوا وزيفوا الحقائق فان هذا لا يزيد البعثيين إلا ثقة بحزبهم ومبادئهم و ما تكررونه إنما يزيدهم إصرارا على مواصلة النضال ضد كذبكم وضد الذين خدعوكم أو دفعوا لكم أجرا لمواصلة لعبة الذين أرادوا استهداف البعث و البعثيين بشكل مباشر أو غير مباشر وتكاملتم مع كل القوى الحاقدة من فارسية و صهيوأمريكية، تلك القوى التي استهدفت اجتثاث البعث ليس في عراق الأمة المقاوم بل في الأمة كلها، لإدراك هذه القوى وحلفاؤها ودُماها أن البعث هو صوت الحق في الأمة وعنوان الشهادة والتضحية، وإنه أقوى من كل تخر صات هؤلاء وأولئك، سواء كان ممن امتهن لعبة المتاجرة بـ«الحرف المطبوع» أو«التغطية بالبحث والدراسات المغلفة والمبرمجة» فالتجارة هي واحدة وإن اختلفت طبيعة الدفع وتنوعت وفق المهام المأجورة.
وهنا نجد أنه بات من المهم جدا وضع النقاط على الحروف ونحن نصحح الطروحات المغلوطة والمزيفة والمضلِلة ونحاول تنقية المعلومات المسربة والتي قُصد بها القفز فوق الواقع ورسم خارطة جديدة حسب ما يريده المخرج أو ما يخدم أصحاب الغرض، وتبرير مواقف مُدانة أصلا بالمقاييس الحزبية والتنظيمية، من هذا المنطلق أردنا أن نسجل «لمحات من تاريخ البعث» حرصا منا على إزالة الغبار الخبيث المستورد،والذي قُصد به ذر الرماد على العيون ونسج قصص لأشخاص كانوا أصلا خارج المسيرة التنظيمية للبعث أو كانوا في فترة محددة على هامش صفوفه، أو قد يكون هناك بعضا من هؤلاء الموظفين في خدمة الأراجيف ضد البعث و البعثيين ،قد ارتبط بفترة زمنية قصيرة ضمن بعض حلقاته الهامشية أو في إطار المسار التنظيمي العام بين مؤيد أو نصير، وتقديم هؤلاء كأبطال وهم يعلمون أنهم كانوا هامشيين أو خارج صفوف البعث ولا داعي للقول أن ما ورد في كتاب «الأحزاب والحركات القومية العربية لجمال باروت»، لم يكن في معظمه أكثر من كلمة «بارود» أو باروت كما يطلق اليمنيون على «البارود» «باروت»، الهدف من ذلك تفجير أجواء والبحث عن سراب، فالمتتبع الحصيف والقارئ الصادق يستطيع الحكم عليه بأنه كلام عام خالٍ يفتقد الى الصحة وبالذات الحديث عن المؤتمر الطلابي للاتحاد العام لطلبة اليمن المنعقد في صيف 1969م في صنعاء. لقد نسي هذا الكاتب أو الباحث أو «ملقط الخبابير» نسي أن الرفيق قاسم سلاّم كان طالبا في إيطاليا ولم يحضر المؤتمر العام الأول للطلبة بل جاء لمراجعة وزارة التربية والتعليم حول منح الطلبة اليمنيين في إيطاليا التي قُطعت عنهم ظلما وتعسفا، ولا بد أن الأخ يحيى محمد الشامي الذي كان في حينها نائبا لوزير التربية والتعليم الأستاذ عبد الملك الطيب مطلعا على هذه القضية بل كان حاضرا أثناء تلك المراجعة ،ويعرف الطلبة الذين قُطعت منحهم لأغراض في نفس يعقوب، وهؤلاء الطلاب بعضهم لا يزال حيٌا يرزق، مثل الدكتور عبد الوهاب الغرباني، والدكتور فضل عباس والدكتور عباس زبارة وغيرهم، وقد تفضل رئيس المجلس الجمهوري القاضي عبد الرحمن الإرياني مشكورا بإصدار أمرا واضحا صارما في إعادة منح الطلبة، وقد تجاوب الأخ يحيى محمد الشامي مع الأمر وسعى جادا مع الدكتور قاسم سلاّم داخل الوزارة لتنفيذ أمر رئيس المجلس الجمهوري، وتمت إعادة المنح للمعنيين الذين كانوا سببا في وصول الدكتور قاسم سلاّم إلى صنعاء ومراجعة رئيس المجلس الجمهوري القاضي عبد الرحمن الإرياني. وإلى جانب هذا، أكد الدكتور قاسم سلاّم أمين سر القطر أنه راجع رئيس المجلس الجمهوري القاضي عبدالرحمن الإرياني بهدف استصدار أمرا بالموافقة على عقد المؤتمر العام الأول للاتحاد العام لطلبة اليمن 1969م، وتمت موافقة القاضي عبد الرحمن الإرياني رحمة الله عليه. وأكد الرفيق الدكتور قاسم سلاّم أنه لم ينتظر عقد المؤتمر ولم يشارك فيه كما أن رابطة طلبة اليمن في إيطاليا هي الأخرى لم ترسل مندوبا للمشاركة في ذلك المؤتمر، ويعرف الكثير أن الدكتور قاسم سلاّم كان من مؤسسي الحركة الطلابية اليمنية فقد انتُخِب رئيسا للمؤتمر التأسيسي المنعقد في آذار 1968م في دمشق بالاجماع، ورفض ترشيح نفسه للمجلس التنفيذي في حينها والجميع يعرف مدى حرصه على وحدة الحركة الطلابية. وكلمة حق قالها الدكتور قاسم سلاّم حول ما ورد في كتاب باروت حول «التناقضات ما بين رئيس المجلس الجمهوري عبدالرحمن الإرياني وبين حلفائه البعثيين»، مستشهدا (الحزبية تبدأ بالتأثر وتنتهي بالعمالة)، فللحقيقة والتاريخ يقول الدكتور قاسم سلاّم أن رئيس المجلس الجمهوري القاضي عبدالرحمن الإرياني لم يتعامل مع الطلبة آنذاك إلا كأب وأظهر ترحيبا بعقد المؤتمر، وليس للعبارة اية علاقة بالمؤتمر فلا شك أن موضوعها يختلف، والجميع يعرف ما لهذه العبارة من بُعد يمتد إلى ما قبل المؤتمر العام للطلبة وما بعدها في تداخلها مع أحداث أغسطس الدامي 1968م وتداخل الخنادق مع طروحات الجبهة القومية وفرعها وعناصرها المتواجدة في الشطر الشمالي. كما يؤكد الدكتور قاسم سلاّم أن المعلومات القائلة ((ظهر في المؤتمر التناقض ما بين البعثيين عموما وبين الماركسيين المتأثرين بحكم الجبهة القومية في الجنوب من جهة، وبين الجناح المؤيد لسوريا والجناح الجديد "المعلن" المضاد المؤيد للعراق، وإثر تطويق الجناح المؤيد للعراق أبدى قاسم سلاّم ديناميكية هائلة حين تمكن في أيام قليلة من حشد مجموعة كبيرة تقدر بالمئات من الأنصار والمؤيدين بمن فيهم بعض شيوخ القبائل، مما أثار المؤسستين الرئاسية والعسكرية. فقامت الأجهزة الأمنية بدفع على الأرجح من بعض الضباط البعثيين الموالين لسوريا مثل سلطان القرشي باحتجاز سلاّم في مقر إقامته، إلا أنه تمكن بمساعدة حسن "جارالله أنعم" فإن المجموعة المكلفة بتطويقه من الفرار، وعقد مؤتمر للمنظمة يعلن فيه تشكيل قيادة شعبة تقودها بحكم مستواها التنظيمي القيادة القومية مباشرة، وفي المؤتمر القومي العاشر الذي انعقد في آذار 1970م في بغداد تم انتخابه عضوا في القيادة القومية وكنوع من ممثل لمنظمة اليمن فيها. وقد تشكلت القيادة في عام 1970م من سلاّم وردمان علي حسن الشيباني وأحمد سكران وحسن جار الله أنعم، وكان مقرها في تعز كما تم تشكيل المجموعة القيادية في عدن، التي تولت إعادة بناء المنظمة من نقطة الصفر، من كل من أحمد سكران مسئولا وعبدالرحمن مهيوب وعلي الزريقي وعلي سعيد مسواط ومحمد عبدالله الذهب وسعيد فارع وأمين أحمد عون أعضاء في أجواء ضغط الجبهة القومية من جهة وضغط المجموعة البعثية التي تحولت إلى الطليعة من جهة ثانية. وضمت قيادة المنظمة على ما يبدو بعض الأعضاء البعثيين العراقيين في البعثتين الدبلوماسية والتعليمية))، ان ابلغ تعليق على مااورده باروت أنها كذبة أبريل الكبرى ونسيج عنكبوتي مخابراتي يستهدف الدس أكثر من أن يستهدف تسجيل تاريخ أو حقائق معينة، فالجميع يعرف أن الدكتور قاسم سلاّم شارك في المؤتمر القومي العاشر المنعقد في آذار 1970م في بغداد ممثلا لمنظمة الحزب في إيطاليا التي كان أمين سرها. ودعونا نتابع استمرار التهريج والكذب الملفق والمغالطة المقصودة عندما يقول باروت: ((يشير ذلك إلى اعتماد قيادة المنظمة على الولاء القبلي الجهوي تدعيما للتماسك، إذ ضمت أعضاء من قرية "شرجب" يمتون بقرابة عمومة إلى قاسم سلاّم الشرجبي أمين سر القيادة - يقصد قيادة تنظيم اليمن - كما يشير إلى عضوية ضابط فيها هو حسن جار الله أنعم الذي أطلق سلاّم من الاحتجاز،) وهذه كذبة أخرى أكبر من جبل نقم تعبر عن جهل وغباء مركب مشيرا في هذيانه (وإلى العلاقة العضوية ما بين المنظمة والبعثتين الدبلوماسية والتعليمية في عدن وصنعاء، وهذا يعتبر طبيعيا في بنية التنظيم القومي المرتبط بالقيادة القومية في بغداد الذي يعطي القيادة القومية تقليديا حق تطعيم قيادات المنظمات بأعضاء من غير مواطني القطر، كما يعتبر بالقدر نفسه طبيعيا في التنظيم القومي المرتبط في القيادة القومية في دمشق. وقد ضمت قيادة المنظمة بعض الوجوه الأساسية في منظمة البعث مثل عبد الرحمن مهيوب الذي كان من قدامى أعضاء المنظمة في الجنوب، والنقيب أحمد سكران "قائد منظمة طلائع حرب التحرير الشعبية" إبان الكفاح المسلح في الجنوب. وبفضل الدعم اللوجستي العراقي تمكنت المنظمة بقيادة سلاّم لا سيما في الشطر الشمالي من التوسع الكبير في الوسطين الطلابي والعسكري، عبر المنح الدراسية وتجنيد طلاب الدورات العسكرية اليمنية في بغداد. وبذلك كانت قاعدة الخريجين والضباط تتوسع وتتضخم باستمرار، فضلا عن الثقل القبلي للمنظمة، واستقطابها للكوادر المنحدرة من "جبهة التحرير" ومن حزب الشعب الاشتـــــراكي والمؤتمـــر العمــالي.)) - وهذا الطرح بمثابة استعراض مسرحي هو الآخر أكبر من جبل عيبان وجبل شمسان ويبدو أن الكاتب أو ما يسمي نفسه الباحث والمؤرخ، خفيف الظل لا يفقه من طبيعة الظروف في اليمن إلا تجميع زوارق والدخول صفحة الهذيان أشبه بالمحموم الذي أصابته حمى الملاريا في خندق الجبهة القومية أو خندق الردة الشباطية - ويواصل ((تعرضت فرقة عدن التي أعيد بناؤها من نقطة الصفر إلى ضربة أمنية قاسية في الجنوب، حين تحدت "الجبهة القومية" وأصدرت بيانا يندد بمشروع روجرز (1970) ويتهمها بالتواطؤ مع المشروع...... وإزاء رفض قيادة المنظمة الاستجابة لطلب عبد الفتاح إسماعيل بإنكار البيان، فإن سلطة الجبهة القومية قامت بحملة اعتقالات مكثفة ضد قيادة المنظمة لمدة عشرة أيام، ثم قتل كادرين أساسين هما أحمد سكران وأبو جلال العبسي صلة الوصل ما بين منظمة البعث والجبهة القومية في ظروف غامضة، اتهم فيها البعث أجهزة الجبهة القومية بالوقوف خلفها. ولم يطلق سراح كوادر المنظمة "العراقية")) - مواصلا هذيانه متناسيا أن الوسيط كان المرحوم الأستاذ محمد عبده نعمان الذي حاول أن يخفف من حدة الموقف - ويواصل «المؤرخ» قوله ((غير أن تقاعس بغداد عن حماية المقاومة الفلسطينية أبان مجازر أيلول 1970م في الأردن هدد التنظيم القومي برمته بانشقاق خطير كاد أن يعصف بوحدته. ويبدو أن نذر هذا الانشقاق قد انتقلت إلى منظمة اليمن، وتصدرها السكران مسئول منظمة عدن. وحين اغتيل السكران لاحقا في ظروف غامضة في صنعاء اتهمت المنظمة الجبهة القومية بالوقوف خلف عملية اغتياله،)) ..... وينسى نفسه هذا الكاتب انه كان الأولى أن يقول أين دور دمشق من المقاومة الفلسطينية في ذلك الظرف فذهب يفتش عن لعبة افتقدها في طفولته في بغداد ثم يعود في الوقت الذي قال "اتهمت المنظمة الجبهة القومية" ينسى ذلك ويقول "في حين اتهمت مجموعته سلاّم والسفارة العراقية بذلك" ويشطح قليلا فيقول "وأدى احتدام الخلاف الداخلي ما بين ردمان الشيباني وسلاّم إلى إخراجهما في حزيران 1972م من القيادة، وإرسالهما إلى بغداد، فتحمل مهيوب مسئولية القيادة في حين تولى أمين عون مسئولية قيادة التنظيم في الجنوب. مما دفع القيادة القومية وصدام حسين شخصيا إلى عقد مؤتمر سري للمنظمة في بغداد في منتصف عام 1971م تم فيه تطويق الانشقاق، لكن بعد أن ترك قدر معين من الأعضاء الحزب." مسكين هذا الكاتب ومسكينة الجهة التي غذته بالمعلومات، أولا يقول "أن الدكتور قاسم سلاّم انتخب عضو قيادة قومية في آذار 1970م" ثم ينسى ويعود ويقول "احتدم خلاف بين ردمان الشيباني وسلاّم أدى إلى إخراجهما في حزيران 1972م من القيادة" أي قيادة هذه التي يتحدث عنها "ثم إرسالهما إلى بغداد" فهل يعني أرسلا مخفورين إلى هناك!؟ ثم تحدث عن تحمل مهيوب لمسئولية القيادة في الشمال وأمين عون في الجنوب متناسيا أن حزب البعث ليس «بقالة أو دكان» كما أنه ليس شركة مقاولة، ثم يعود ويتناقض بشكل غريب ويقول "هذه الحالة دفعت القيادة القومية وصدام حسين شخصيا إلى عقد مؤتمر سري للمنظمة في بغداد في منتصف 1971م تم فيه تطويق الانشقاق" ويضيف "ترك قدر معين من الأعضاء الحزب"، تناقض في السرد، تناقض في التواريخ، خلط في المعلومات، وكنا نتمنى على جمال باروت على الأقل أن يدقق فيما يكتبه، أما ما يقولون له فهذه مسألة أخرى، إذ من الموضوعية بمكان أن نؤكد هنا ما أكده الدكتور قاسم سلاّم تأكيدا قاطعا أن ما ورد في صفحة 488- 491- جمال باروت - ليس إلا من نسج الخيال مع الأسف الشديد، ويوضح الدكتور قاسم سلاّم أنه لم يحتجز وأنه لم يكن هناك الرفيق حسن جار الله أنعم كما ورد في الكتاب، وهو للعلم ليس عسكريا بقدر ما هو موظف مدني بأمانة العاصمة وهُضمت كل حقوقه بفضل الذين كانوا قد تخندقوا مع ردة 23 شباط 1966م، وللتاريخ وتثبيت الحقائق يؤكد الدكتور سلاّم أن سلطان القرشي كان مكلفا من قبل ما أسماه آنذاك قيادة الشعبة لزيارته إلى فندق المخاء ليطلب منه عدم فتح ملف الخلافات الحزبية الآن وأن المنظمة لا تتحمل مثل ذلك الخلاف وأشار إلى أن الشعبة تتوجس من تحركاته بين البعثيين وتنظر للموضوع بحذر وتأمل عدم الاندفاع في شق التنظيم ونصح أن تُترك الأمور للزمن .. مخاطبا سلاّم "وأنت ما زلت في إيطاليا تواصل دراستك فربما تعود وقد هدأت الحالة وصححت الأمور"، ثم ألمح أنه بموقعه رئيس الأمن الوطني يستطيع أن يتخذ إجراء ضد الدكتور قاسم سلاّم، فكان الرد عليه واضحا وحادا بل واستفزازيا إلى حد أن الدكتور قاسم سلاّم شكك بحزبيته فتحول الأمر بعد ذلك إلى مداعبة و استلطاف وتركه سلطان القرشي وهو يودعه بدماثة سلطان الذي عرفه سلاّم في القاهرة طالبا في كلية الشرطة بعد الثورة، ولم تكن له علاقة تنظيميه آنذاك بحزب البعث العربي الاشتراكي.
هكذا كان الموقف ولم يكن كما استعرضه "جمال باروت." أما حضور قاسم سلاّم للمؤتمر القومي في آذار 1970م في بغداد، فقد كان ممثلا لتنظيم الحزب في إيطاليا وليس تنظيم اليمن كما اشار،ولا ندري ،كيف تم الخلط بين سلاّم وردمان علي حسن وأحمد سكران، ولانفهمها الاعلى أنها فبركة مركبة ونوع من الجهل الفاضح بالحقائق وغياب الصورة أمام الناقل أو الكاتب أو من يمكن أن يسمي نفسه بالباحث، ويؤكد الدكتور قاسم سلاّم أنه أثناء تواجده في صنعاء آنذاك كان قد حرص كل الحرص على فتح الحوار مع الأخ يحيى محمد الشامي حول الموقف من ردة 23 شباط وأهمية فتح الحوار من أجل الوصول إلى موقف مبدئي واضح، كما امتد الحوار إلى الأخ الدكتور عبده علي عثمان حول نفس الموضوع، مؤكدا لهما أنه لم يأتِ لشق الحزب ولكن عندما يصر الطرف الآخر على التمسك بموقف الردة الشباطية سوف يضطر إلى التواصل مع البعثيين للعودة إلى الجذور والتحرر من طروحات 23 شباط التي كانت في نظره بوابة هزيمة حزيران، وأكد لهما أن الحسم العسكري الشباطي مرفوض جملة وتفصيلا داخل الحزب ولا يمكن أن يكون بديلا للضوابط الحزبية والأخلاقية والفكرية للبعث. أما موضوع عبد الحافظ نعمان فهو يعرف جيدا أكثر من غيره أنه قبل سفره إلى عدن زار الدكتور قاسم سلاّم في بغداد وطلب منه تبني طلب عودته إلى الحزب، فكان رد الدكتور قاسم سلاّم في حينه ردا حزبيا وهو أن المطلوب منه أن يتقدم بطلب العودة إلى التنظيم عبر منظمة الحزب في صنعاء، وإلى جانب هذا الموضوع طلب تذاكر سفر إلى عدن لتلبية دعوة جاءته من المرحوم سلطان أحمد عمر ليكون ممثلا للحزب في الجبهة الوطنية الديمقراطية التي أفاد أنها ستُعلن قريبا، فكان رد الدكتور قاسم سلاّم «أي حزب ستمثل ونحن لا علاقة لنا بما يسمى بالكفاح المسلح في المناطق الوسطى، وأنت ليس لك علاقة تنظيمية في الحزب، ولنا وجهة نظر حول هذا الموضوع».... لحظتها رد عبد الحافظ «أن الإخوان في سوريا وعدوني بتعييني عضوا في قيادتهم القومية»، فما كان من الدكتور قاسم سلاّم إلا أن يبارك له ذلك مضيفا «هذه قناعتك، أما أن تذهب لتمثل الحزب فهذا سوف نرد عليه بالنفي القاطع» وفعلا صدر تصريح في الصحف الكويتية وبالذات صحيفة السياسة الكويتية حول النفي القاطع لما ظهر في بعض الصحف التابعة لنظام الجبهة القومية حول «الجبهة الوطنية الديمقراطية» ومشاركة عبد الحافظ نعمان باسم الحزب، مؤكدا أنه لا يمثل إلا نفسه وأن حزب البعث العربي الاشتراكي في قطر اليمن ليس له علاقة فيما نشرته صحف نظام عدن وما ظهر في المؤتمر الصحفي الذي عقد من قبل سلطان أحمد عمر وعبدالحافظ نعمان في بيروت.
لا شك أن هذا الخلط في المعلومات التي أوردها باروت والأحداث قد يكون مقصودا وقد لا يكون ذلك وإنما نستطيع القول ان هناك جهل للحقائق وتعامل مع معلومات مغرضة تتناقض مع المنحى العلمي ألتوثيقي ، وهي حالة قد تحدث في «دواوين ومقايل» القات وقصص ألف ليلة وليلة .
إننا نستغرب ان يصدر مثل هذا المطبوع من مؤسسة قومية كالمركز العربي للدراسات الإستراتيجية إنه أمر محير، خاصة عندما يتم التعامل مع قضايا من هذا النوع تعاملا سطحيا خالٍ من الموضوعية وأسلوب البحث العلمي والضوابط الأخلاقية التي تراعيها كافة الأبحاث والدراسات وخاصة عندما تكون صادرة عن مراكز من هذا النوع.... كنا نتمنى أن لا نتوقف كثيرا أمام طروحات جمال باروت ولكن المسئولية التاريخية والأمانة العلمية والحرص على توضيح الحقائق والرد على التخرصات التي تستهدف نضال البعث والبعثيين، وسنحاول في الحلقات القادمة متابعة بعض الطروحات والمعلومات التي في ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، ولن نتردد من أن نوضح الحقائق بعيدا عن المماحكة والمناكفة.
بعد هذه المداخلة العارضة والتي كان لا بد منها نواصل مجددا التذكير بالفعاليات الثقافية والسياسية لرفاقنا في حضرموت بامتداداتها وعلاقتها الجدلية، تلك الفعاليات التي كانت مدخلا طبيعيا للكسب الحزبي بين صفوف المعلمين والطلبة والمثقفين ،في التواصل مع بدايات التبشير والتأسيس في مجتمعيّ الوادي والساحل. وهي الجهود الفكرية والتنظيمية التي تزامنت مع بدايات التبشير والتأسيس في محافظة عدن حيث كانت أجواؤها مهيأة أكثر للعمل النقابي والثقافي والحزبي بحكم موقع عدن الجغرافي وتعاملها مع حركة السفن والتجارة والعبور، حيث سنجد أنفسنا نقف وقفة تأملية حول بدايات نشاط الحركة القومية، حزب البعث، حركة القوميين العرب، الأحزاب الوطنية، الاتحاد اليمني، الجمعية اليمنية الكبرى، حزب الشورى اليمني,والندوة الثقافية للشباب العربي ، وحزب الشعب ورابطة أبناء الجنوب،والأحزاب المحلية «المحدودة الهوية» التي كانت أداة لخدمة الاحتلال ثم الحديث عن المؤتمر العمالي والحركة الطلابية والشبابية وكافة الفعاليات التي كانت تتتالى في عدن بجهود الأحزاب السياسية والنقابية والطلابية ومختلف النشاطات المسئولة التي كانت تتصدى للوجود الاستعماري منذ منتصف 1955 وحتى الاستقلال.
المراجع:
الأحزاب والحركات القومية العربية- الجزء الأول
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق