قال تعالى

قال سبحانه و تعالى
((ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدًمت لهم أنفسُهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنً كثيراً منهم فاسقون))
صدق الله العظيم

الجمعة، 14 سبتمبر 2012

نضال البعث في اليمن:لمحات موجزة من تاريخ البعث (2)

لمحات موجزة من تاريخ البعث
 
الإحياء نت
الدكتور فاسم سلام 
الحلقة الثانية


حقاً كانت و ماتزال منطلقات البعث التي ترى الوطن العربي كلاً لا يتجزأ ، والحرية والوحدة والاشتراكية أهداف تترابط ترابطاً جدلياً لا يمكن الفصل بينها ، من هنا كان الترابط وكانت الوحدة الجدلية القائمة بين النضال القومي والنضال الاجتماعي واضحة في مسيرة البعث ومنطلقاته الفكرية والسياسية ، وكانت مسيرته التنظيمية هي الأخرى دليل عملي على حيوية هذه الأهداف وتأكيد واقعيتها ، وهكذا تميز البعث عن غيره من الأحزاب التي سبقته أو رافقت مرحلة التبشير والتأسيس ومرحلة البدايات التنظيمية ، بمختلف اتجاهاتها السياسية والفكرية .

وإذا كانت الثلاثينات - كما قلنا - بداية الإعلان ومنطلق التبشير والدعوة البعثية ، فإن الأربعينات كانت أصدق تعبير عن التفاعل بين التبشير والتأسيس، والتكامل بين حركة الفكر وأهمية الوعاء التنظيمي له ، فتداخل النضال الفكري والسياسي والتنظيمي تداخلاً جدلياً ليعبر عن الوحدة والحرية والاشتراكية ، وعن الأمة العربية ذات الرسالة الخالدة .. هكذا عبرت حركة البعث عن نفسها في بداياتها الأولى وعلى لسان مؤسسها احمد ميشيل عفلق رحمة الله عليه،وأكدت أنها :(استمدت من تجربة حركة الاستقلال العربي والوحدة العربية منطلقها القومي ، ومن تجربة النضال الوطني في سوريا منطلقها الجماهيري (الشعبي) ومن متابعة التراث العالمي منطلقها الاشتراكي ، وهي في هذا كله لم تكن منفعلة ، بل كانت متطلعة دوماً إلى بناء نظرية نضالية من خلال تحليل الواقع العربي وممارسة النضال ، من خلال معارك مستمرة ضد جميع القوى المعادية لتحرر الجماهير العربية ولتقدمها ولوحدة كيانها القومي) (1)، (وقد عبّر البعث عن نفسه في بداية 1941م من خلال بيان باسم (حركة الإحياء العربي) عبّر خير تعبير عن منهجه النضالي على الصعيدين السياسي والاجتماعي داخل القطر السوري ، وكذلك نضاله القومي متلاحماً مع ثورة أيار في العراق ،فشكّل (حركة نصرة العراق) لدفع المواطنين إلى التطوع والمشاركة الفعلية فيها) (2) .
إن هذا التفاعل والتكامل بين نضال البعث الوطني ونضاله القومي إنما يأتي تأكيداً عملياً لأفكار القائد المؤسس (أحمد ميشيل عفلق ) تلك الأفكار التي (تحمل الدعوة إلى ضرورة اجتياز كل المعارك ضد الاستعمار وكل مخلفاته وتجاوز الحدود القطرية ، يتبنى هذه الدعوة كل الشعب العربي من خلال أداة نضاله الذاتية - الحزب - الذي جاء ليجسد في بنيته التنظيمية (القومية العربية) تجاوز للحدود وكل الأفكار القطرية) .. ضمن هذا المفهوم يأتي موقف البعث مع ثورة أيار في العراق ، ومن وعيه وإيمانه أن المعركة واحدة وأن الساحة واحدة وأن الحرية لا تتجزأ ، من هذا المنطلق يأتي القائد المؤسس احمد ميشيل عفلق عام 1943م ليؤكد : (فالحرية جوهر العروبة واستقلال الرأي من أبرز صفاتها .. فالأمة الحرة لا تتألف إلا من أفراد أحرار . إن استفحال الأمراض التي تفتك بالأمة ، وعمق الآلام التي تحز في جسمها لم تعد تنجح فيها حيلة السياسيين مهما كانوا أذكياء بارعين ، ولا بد لها من مناضلين مؤمنين يستمدون روح نضالهم وأسلوبه من روح أمتهم وأخلاقها ، فالسياسة التي سادت حتى اليوم بانحراف خططها وضعف عقيدتها وخطأ تفكيرها وسطحية تنظيمها ، كفيلة لهدم دولة قوية ، فكيف بأمة محكومة ماتزال ببدء استيقاظها ، فنحن في تمردنا على هذه السياسة نعرف أننا نفصح عن ألم أكثرية الشعب ، وبدعوتنا إلى أسلوب جديد يقوم على الإيمان العميق والفكر الواضح والتنظيم الحي ، نعرف أننا نلبي أمنية مجموع الشعب ونحقق إرادته العميقة) (3).
لقد شدد البعث منذ البدايات الأولى لنضاله السياسي على قضية الحرية والاستقلال والوحدة والعدالة الاجتماعية ، وقاوم بصلابة وحزم الدعوات الانفصالية وسياسة المحاور وكل إشكال التعامل مع النفوذ الأجنبي والاستعماري في الوطن العربي ، معلناً الثورة على التخلف والظلم والرجعية والطائفية وكافة الأمراض التي خلفها الحكم التركي ومن بعده الاستعمار الغربي ، مركزاً في بيانه الصادر في 24 تموز / يوليو عام 1943 بدمشق : (نحن نمثل الروح العربية ضد الشيوعية المادية .. نمثل التاريخ العربي الحي ضد الرجعية الميتة والتقدم المصطنع .. نمثل القومية العربية التامة المعبرة عن حاصل الشخصية .. ضد القومية اللفظية التي لا تتعدى اللسان ويناقضها مجموع السلوك .. نمثل رسالة العروبة ضد حرفة السياسة .. نمثل الجيل العربي الجديد ) .
هذه هي طروحات حزبنا الإستراتيجية التي استند إليها المناضلون البعثيون في نضالهم داخل الساحة القومية ، وهي التي شكلت دليلاً نظرياً وعملياً لحركات فروع الحزب في مختلف أقطار الأمة في نسق متكامل متفاعل ، يرى البعث من خلالها الواقع العربي بوضوح كامل ، رافضاً شعار ( الخصوصية) المعبر عن مفهوم الانعزال ، فكان بذلك حاسماً حين رفض الجمود والتخلف والتعامل مع الرجعية وإرثها ، وكذلك النظرة التقدمية الزائفة واليسارية القطرية الضيقة اللاقومية . وقد شخص هذه الحالة بوضوح كامل الرفيق الدكتور اليأس فرح في كتابه (تطور الإيديولوجية العربية الثورية) قائلاً : (جاءت الأيديولوجية العربية الثورية لتلغي نوعين من الانحراف :
1- الرجعية التي تمثل انحراف الجمود والتخلف.
2- التقدمية الزائفة واليسارية القطرية (اللاقومية) التي تمثل التقدم السطحي المعزول والمتنكر أحيانا للحقيقة القومية والمتجاهل للصراع القومي للأمة العربية . كما أكدت الأيديولوجية العربية الثورية في جوابها على التيارين اللاقوميين على نقطتين أساسيتين :
أ- فكرة الديمومة والأصالة من جهة.
ب- فكرة الصيرورة والانفتاح من جهة أخرى) (4) .
وتأتي السنون والإحداث لتؤكد على أهمية ما أكد ت عليه طروحات ومنطلقات البعث الإستراتيجية ، ولتؤكد السنون أيضا أن المسؤول الأول والأخير هي البرجوازية المتحالفة مع الإقطاع و الأسر الكبيرة التي كانت و ماتزال متنفذة في بعض الأقطار حتى ألان إلى جانب الأنظمة المتخاذلة التي برهنت وتبرهن يوما بعد أخر عن ضعفها أمام الصهاينة وارتهان معظمها لأمريكا المتصهينة والغرب المستفيد من وجود الكيان الصهيوني على رض فلسطين المحتلة وفي قلب الوطن العربي، وسنتعرف أكثر على هذه الطروحات الإستراتيجية من خلال الاطلاع على مقررات مؤتمره التأسيسي المنعقد في نيسان (أبريل) 1947م)

المراجع:
(1) نضال البعث . الجزء الأول . ص 13 . دار الطليعة للنشر.
(2) مرحلة الأربعينات التأسيسية 1940 - 1949 شبلي العيسمي ص 28 .
(3) نضال البعث . الجزء الأول . ص 28 - 29 . دار الطليعة للنشر
(4) د. إلياس فرح الأيديولوجية العربية الثورية. المؤسسة العربية للدراسات والنشر . طبعة ثانية . ص 35 - 36

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق