قال سبحانه و تعالى
((ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدًمت لهم أنفسُهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنً كثيراً منهم فاسقون))
صدق الله العظيم

الجمعة، 14 سبتمبر 2012

نضال البعث في اليمن: لمحات موجزة من تاريخ البعث (3)

لمحات موجزة من تاريخ البعث
 
الإحياء نت
الدكتور قاسم سلام 
الحلقة الثالثة


قلنا إن فترة طويلة امتدت بين بدايات التبشير الفكري والتنظيمي لحزبنا وظهوره كحزب منظم ، تلك الفترة ليست إلا تعبيراً عن ضرورة فرضتها عوامل موضوعية جنبت الحزب الخلق العشوائي أو الشكل العشوائي للوعاء التنظيمي ، فكانت أساسا في بلورة التوجه نحو ترسيخ نظرية تنظيمية معبرة عن أيديولوجية حزب الأمة الثورية مما يؤكد أن القائد المؤسس احمد ميشيل عفلق رحمه الله كان مدركاً وواعياً ومستوعباً لأهمية اللحظة التنظيمية لحزب الأمة ، بل ومستوعباً استيعاباً كاملاً جوهرها في سياق جهادي يربط النظرية بالعمل والعمل بالبعد النظري والجوهري العقائدي لحزب يرى مستقبله في حاضره النضالي ويرى صورة الأمة كلها متجسدة في هذا الواقع النضالي وبعده الفكري العقائدي ومعتبراً هذا الحاضر صورة حية لمستقبل الأمة كلها وأتت السنون والأحداث لتؤكد على أهمية هذا الطرح ، بل لتعزز أن جدية البعث في تعامله مع قضايا الأمة هي التي أوحت للقائد المؤسس/أحمد ميشيل عفلق رحمة الله عليه كي يربط مسيرة البعث النضالية بأهداف الأمة وطموحها ويؤكد على الطريق الجهادي لتحرير الأمة والثقة بها وبقدرتها على تجاوز التحديات في سياق عملية فرز تاريخي في مسيرة الأمة فيقول : (عندما ينفتح طريق النضال الجدي أمام طليعة الأمة العربية عندها تتوضح الفوارق بين النوع الجدي من المواطنين ، النوع الذي حرر نفسه من المصلحة والشهوات ، وبين النوع الذي استعبدته المصالح والذي ضعفت نفسه عن الإيمان بكفاءة أمته وبقدرتها على إنقاذ نفسها بنفسها . مجرد هذا الانقسام ، مجرد هذا التوضيح بين النوعين ، ينقذ الأمة من الغموض الذي تعيش فيه ، ومن الشك ، لأنها ترى صورة صغيرة عن مستقبلها ، لأنها تلمس جزءاً من حقيقتها التي تشعر بها والتي أصبحت حقيقة واقعة أمامها . )
في سبيل البعث ص 68 دار الطليعة للطباعة والنشر .
وعوداً على بدء لقد أكد القائد المؤسس في أكثر من مكان انه لا يمكن الفصل بين حركة الفكر وأداته التنظيمية ، بل لا يمكن للجماهير أن تتحرك بدون التنظيم ولا يمكن تحقيق الأهداف المرجوة أيضا ، بدون هذا التنظيم . وهكذا كانت البدايات . فالحزب .. حزب الثورة العربية يحمل فلسفة وفكراً عقائدياً قومياً لا بد له من تنظيم قومي يمتد إلى كافة ساحات الأمة متجاوزاً تلك الأحزاب التي ترجمت وتترجم في بنيتها التنظيمية ( الحدود القطرية ) لسياستها مما يعزز المبدأ القائل بأن الفكر القومي يحتاج إلى منظمة قومية حتى تتمكن من نشر أفكار البعث خارج حدود القطر الذي نشأ فيه ، وهكذا كان التركيز من قبل القائد المؤسس على فكرة (التنظيم الانقلابي ) معتبراً أن البعث العربي ينبغي أن يحقق انقلاباً جذرياً في حياة الأمة حتى يتميز عن غيره من الأحزاب والتنظيمات السياسية التي حكمتها ظروف المرحلة وسيطرت على فكرها وسلوكها فكان البعث بهذا قد ميز نفسه ويقول القائد المؤسس أحمد ميشيل عفلق رحمه الله في هذا الصدد (إن الصفة المميزة للبعث العربي هي انقلابيتة )
في سبيل البعث ص71 دار الطليعة للطباعة والنشر
مؤكداً أيضا على إن (الانقلابية) ( تفرض كذلك نوعاً معيناً من التنظيم والسلوك في داخل الحزب)
 نفس المصدر .
وهنا تبرز أهمية هذا الحزب بفكره وأهمية تنظيمه إذ يؤكد القائد المؤسس على ذلك قائلا:( انه الحزب) لا يستطيع أن يؤدي مهمته إلا باتباع أسلوب صارم شديد يضمن له وحدة الاتجاه وتماسك العمل وقوته ، ولقد أدت حركة البعث العربي للقضية العربية حتى الآن خدمتين كبيرتين ، الأولى توضيح الأهداف العربية الصحيحة وما بينها من ترابط ووحدة ، والثانية توضيح الطريق الصحيح التي تضمن تحقيق هذه الأهداف )
نفس المصدر السابق.
سمة تميز البعث بها عن بقية الأحزاب ، أما على صعيد الموضوع الذي نحن بصدد تناوله فإن هذه السمة تكمن في طموح البعث نحو نشر تنظيمه داخل ساحة الأمة كلها وبين أفراد الأمة العربية أينما كانوا . وهذه السمة هي التي حكمت سلوك ونضال البعثيين الأوائل سواء في مرحلة التبشير الفكري أو التبشير التنظيمي تلك اللحظتان اللتان أوصلتا أولئك القادة إلى مؤتمرهم التأسيسي الأول ، وهي التي شدت أولئك المناضلين البعثيين الذين كانوا يدرسون بالقطر السوري من أبناء الأقطار العربية إلى تلك الأفكار الكبيرة ، وتلك الأهداف العظيمة ( وحدة حرية اشتراكية ) وذلك الشعار الخالد الذي رفعه البعث (أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة ) كعناوين لمسيرته النضالية وكأهداف وشعار يحققونها للأمة العربية ... أولئك الطلبة العرب الذين تفاعلوا مع شعار الحزب وأهدافه وعاصروا نضال مؤسسي الحزب في القطر السوري هم الذين حملوا صوت البعث إلى مختلف أقطار الوطن عندما عادوا إلى أقطارهم بعد أن كانوا بصورة عامة أعضاء فيه وشاركوا في مؤتمره التأسيسي المنعقد بين 4 - 7 نيسان 1947م في صالة مقهى ( الرشيد ) الصيفي في دمشق ، تلك القاعة التي تحولت الحركة البعثية فيها من ( حركة بعثية عامة ) إلى ( حزب قائم بذاته ) ، وفي تلك القاعة سمي ذلك الاجتماع (بالمؤتمر التأسيسي لحزب البعث العربي ) واعترف به رسمياً فيما بعد على انه أول مؤتمر قومي لحزبنا .
وسنتناول في الحلقة القادمة كافة المواضيع التي عالجها والموقف الذي خرج به كحزب يعبر عن الأمة كلها وليس عن قطر بذاته.
الإحياء نت

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق