قال سبحانه و تعالى
((ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدًمت لهم أنفسُهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنً كثيراً منهم فاسقون))
صدق الله العظيم

الجمعة، 14 سبتمبر 2012

لمحات موجزة من تاريخ البعث (14)

لمحات موجزة من تاريخ البعث
 
الإحياء نت
الكتور قاسم سلام 
الحلقة الرابعة عشر
 


مدخل لتَتَبُع لمحات موجزة من تاريخ
حزبنا داخل الساحة اليمنية
كنا قد تناولنا في الحلقات الماضية "لمحات من تاريخ البعث" بشكل سريع نبذة موجزة عن الحركة الوطنية وتداخل فعلها ونشاطها مع الحركة القومية والحركة الشيوعية متجنبين في ذلك الخوض في التفاصيل لأن عملية من هذا النوع تتطلب الغوص في الأعماق إذا لم نقل حفر القبور، وتتبع تفاصيل التفاصيل التي لا نعتقد أننا نهدف من وراء استعراضنا إلى ذلك، بقدر ما أردنا أن نعيد إلى الأذهان مسألة في غاية الأهمية وهي التمييز بين من يكتب التاريخ للتاريخ، ومن يكتب التاريخ لهدف محدد يخصه في إطاره الضيق مستبعدا الآخرين داخل الساحة، أو محاولا القفز فوق الواقع إلى واقعه هو الذي يريد الآخرون أن يقبلوا به، مسقطين من حساباتهم الشركاء في الهم الوطني والقومي والإنساني. إننا نحرص في التعامل مع تسجيل موجز للأحداث التعامل مع التاريخ كفنٍ لرصد الحقائق وليس كقاضٍ يجزم في القضايا التي تعرض عليه دون السماع لوجهة نظر أطراف القضية المعنيين بالحدث أو بالحوادث المحيطة.

كتابة التاريخ
إننا نؤمن أن التاريخ عندما يوَظَف لخدمة الصراع والمنتصرين فيه لم يعد تاريخا وإنما قرارات تملى على الآخرين في سياق تصفية الحسابات، وهنا يمكننا أن نستدعي ما قاله الرفيق العزيز عبدالوكيل إسماعيل السروري، وهو يستعرض "تاريخ البعث بصورة خاصة"، إذ يقول:"من العجيب والغريب أن من أدار الصراع لصالحه وكسب المعركة هو الذي يكتب التاريخ على هواه ويلغي الآخرين ويساعده في ذلك كثٌر من المنتفعين والمنافقين. أليس من الصواب والمنطق أن نعتمد الصدق والموضوعية والتجرد من الأهواء إذا كنا فعلا نرغب في تدوين تاريخ البدايات الأولى لحزب البعث وتاريخ الثورة اليمنية والحركة الوطنية إجمالاً؟؟ لإزالة كل التشويهات التي علقت بها. ونعطي لكل الرواد دون استثناء حقهم التاريخي وننصف الحركة الوطنية جميعها بما فيها حزب البعث العربي الاشتراكي (....) أليس من دواعي الأمانة والموضوعية أن يتاح لكل فصائل العمل الوطني الفرصة لتدوين تاريخ مراحل نشأتها وكفاحها في مختلف المراحل النضالية بعيدا عن الضغط والوصاية إذا كنا نريد الوصول إلى كتابة التاريخ، خالٍ من التشويه والتزوير".


التجني على البعث والبعثيين
ونحن هنا نؤكد على هذه الملاحظة معتبرين أن معظم ما كُتب عن حزب البعث العربي الاشتراكي منذ نشأته الأولى وحتى عام 1966م قد تعرض للظلم إذا لم نقل للمغالطة والتجني بل والخوض من قبل بعض الأقلام فيما لا تعلم، ونضيف أن معظم ما قيل كان نوعاً من التخمين والرجم بالغيب، وهنا وقع الظلم والتجني على البعث والبعثيين سواء الرعيل الأول المؤسس أو الرعيل الثاني المتابع في المراحل الأولى حتى 1966م، أي بعد ردة 23 شباط في سوريا، حيث تداخلت الألوان واختلطت المعايير وتضاعفت المغالطات والتجني ليس فقط على الرعيل الأول في الحزب القومي وفرعه القطري وإنما كان نوعاً من القفز فوق الواقع لأن الذين أرَّخوا تناسوا تماما أن البعث كتنظيم كان محكوما بضوابط السرية الصارمة في تشكيلاته وتحركه وطنياً وقومياً، وإن كان فكره بات معروفاً للجميع ومستهدفاً من قبل قوىً رجعية رأت في فكر البعث وتنظيمه خطراً على وجودها، وقوىً إسلامية تتعامل مع البعث بمنظور دولي كما تعاملت معه الماركسية اللينينية بالإضافة إلى الأحزاب القطرية المناطقية التي كانت تتبنى أفكاراً ونظريات وخطط ومشاريع ضد الوحدة العربية والاشتراكية وتدعو إلى التناغم مع منطلقات سايكس- بيكو الرامية إلى تجزئة الوطن العربي وإخضاعه للوصاية والولاية الأجنبية، فكانت بدعوتها لمحاور تشبه تقسيمات سايكس بيكو مثل الهلال الخصيب، وادي النيل، المغرب العربي والجزيرة والخليج. فوجدت في نظرية البعث وشعاره خطراً أيضاً على مخططها، لأن الأمة العربية الواحدة ذات الرسالة الخالدة في شعار البعث تلغي التمحور في المحيط العربي من المحيط إلى الخليج العربي، وفي أهدافه في الوحدة والحرية والاشتراكية خطرٌ على الأنظمة التي فُرضت في تلك المرحلة كأداة لخدمة المخططات الاستعمارية الكبرى التي استهدفت استنزاف الثروة العربية والمحافظة على التخلف والسعي الحثيث لاجتثاث الهوية العربية وإفراغ الهوية الإسلامية أيضاً من معانيها وأبعادها الحقيقية وجعلها اسطوانات مشروخة تُوَظف لخدمة المخططات الصهيونية العالمية والاستعمار الغربي بامتداداته إلى الإستراتيجية الأمريكية التي تفاعلت مع الأطماع والطموحات الصهيونية أكثر من الغرب الاستعماري بكل فلسفاته ومخططاته.


التقاطع الفكري
وهنا نستطيع أن نجزم أنه لم تتعرض أية حركة وطنية قومية للظلم ومحاولة الابتزاز والتزوير مثلما تعرضت له حركة البعث العربي الاشتراكي منذ تأسيسه وحتى قيام الوحدة بين سوريا ومصر ثم حدوث الردة الشباطية في سوريا عام 1966م، وصولا إلى احتلال العراق عام 2003م وإسقاط نظامه الوطني القومي الاشتراكي تكاملاً مع المخطط المعادي للبعث والبعثيين في الوطن العربي، كما لم تتعرض أية حركة تقدمية وطنية وقومية أيضاً مثلما تعرضت له حركة البعث العربي الاشتراكي التي استُهدفت عبر التاريخ الطويل من قبل قوى رجعية وقوى استعمارية إلى جانب الحركة الصهيونية التي رأت في البعث ونظامه الوطني الثوري التقدمي في العراق خطراً حقيقياً على وجودها في فلسطين بامتداداته الإستراتيجية في الحقول السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ومع هذا ظل البعث شامخا وظلت حركته متواصلة بخطى متوازنة على الصعيدين السياسي والفكري التنظيمي، متكاملة مع نقطة البداية التي ارتكزت عليها مسيرة البعث منذ السابع من نيسان 1947م وما بعد، وحتى حدوث التقاطع الفكري بين البعث كبعث وبين الذين اختاروا طريقاً آخر عُرف فيما بعد بـ"حزب الطليعة الشعبية" حيث بدأ يسجل تاريخاً خاصاً به وليس بحزب البعث.


العودة إلى التاريخ
من هنا حدث الخلط عند كثير من الذين كتبوا عن تاريخ الحزب أو حاولوا تتبع مساره الوطني دون استيعاب بُعد المسار بالعلاقة القومية بكل أبعادها الفكرية والسياسية والتنظيمية، ولهذا نجد من الواجب العودة إلى التاريخ النضالي للبعث والبعثيين داخل إطار المراحل الثلاث:مرحلة التأسيس، مرحلة الامتداد والتوسع، ثم مرحلة انقطاع البعض عن التاريخ البعثي بشقيه الوطني والقومي وتداخل خنادقه ومخططاته مع الحركة الماركسية اللينينية. في هذه الثلاث المراحل سوف نتحدث بصدق وموضوعية بعيداً عن أي تجاوز لمفهوم التاريخ ورصد الحقائق بموضوعية، بعيداً عن التحامل على الذين خرجوا عن مسيرة الحزب ومنهجه أو على الذين جعلوا أقلامهم سيالة لتشويه الحقائق والهروب عن صفحة الموضوعية والتعاطي مع التاريخ كفن إنساني موضوعي يرصد بتجرد وينتقد بموضوعية ويحكم بدقة خالية من التجني والتجاهل والقفز فوق الواقع.
حلقاتنا القادمة ستسير في هذا الاتجاه كي يطّلع الجميع على تاريخ البعث ونضال البعث والبعثيين داخل الساحة اليمنية وتكاملهم وتفاعلهم مع كافة الأحداث السياسية والاجتماعية والفكرية التي تهم مصلحة الوطن في إطار تداخل مصالحه مع مصالح الأمة العربية كلها مع مراعاة الخصوصيات التي تفرضها طبيعة العلاقة الوطنية والقومية وتقتضيها الموضوعية الصادقة والمجردة عن الهوى.
المراجع:
1- حزب الطليعة الشعبية بين البعث والاشتراكي في اليمن الجنوبي- عبدالوكيل اسماعيل السروري -2007م
الإحياء نت

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق