قال سبحانه و تعالى
((ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدًمت لهم أنفسُهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنً كثيراً منهم فاسقون))
صدق الله العظيم

الجمعة، 14 سبتمبر 2012

نضال البعث في اليمن: لمحات موجزة من تاريخ البعث (الحلقة السابعه)

لمحات موجزة من تاريخ البعث
 
الإحياء نت
 الدكتور قاسم سلام
 
  
الحلقة السابعة
الحديث عن فترة التبشير والتأسيس والانتشار ونشأة البعث داخل الساحة اليمنية سيرتبط بالأهداف النضالية التي يناضل من أجل تحقيقها حزبنا ليس في قطر اليمن فحسب، وإنما في الوطن الكبير وساحة الأمة العربية كلها. وإذا كان القائد المؤسس أحمد ميشيل عفلق، قد ركز في مرحلة التبشير على الفكر القومي في تعامله مع قضايا القطر الذي انطلق في تبشيره منه في النصف الأول من الثلاثينات، كما أعطى بُعدا مهما للفكر من خلال التأكيد على رسالة الأمة في ساحات النضال الوطني والقومي، وذلك من خلال التوضيح لأسس ومرتكزات النظرية البعثية وسماتها، منطلقا من مفهوم رسالتها الخالدة والمقصود من التركيز عليها، قائلا: "فالقصد منها أن هذه الأمة لا تعترف بواقعها السيء وموقفها المنفعل ولا تتنازل عن مرتبتها الأصيلة بين الأمم، بل تصر على أنها لا تزال هي هي في جوهرها، تلك الأمة التي بلغت في أزمان متعددة مختلفة من التاريخ درجة تبليغ رسالتها، فهي أيضا بصلتها ببعضها وبماضيها لا تزال واحدة ولا تزال فيها الكفاءة لاسترجاع تلك المرتبة التي فقدتها مؤقتا. فهذه الأمة التي تستيقظ اليوم وتتحفز للنهوض ليست هي بنت اليوم، بل هي هي نفسها قبل ألف وقبل ألوف السنين، ميزتها وحدة الأصل والعنصر يوم كانت الوحدة هي الرابطة المكينة التي تجمع الأفراد وتطبعهم بطابع واحد وتخلق فيهم نواة واحدة، ثم صقلتها وغذتها وحدة اللغة والروح والتاريخ والثقافة، ولما فقد هذا العنصر مكانه الرئيسي بين العوامل المكونة للأمم فقدت الأمة شيئا من تجانسها الضيق غير أنها عوضت عنه بتنوع في المواهب والكفاءات وانطلاق في الفكر وتسامٍ في المعنى الإنساني. فهذه الأمة التي أفصحت عن نفسها وعن شعورها بالحياة إفصاحا متعددا متنوعا في تشريع حمورابي وشعر الجاهلية ودين محمد وثقافة عصر المأمون، فيها شعور واحد يهزها في مختلف الأزمان ولها هدف واحد بالرغم من فترات الانقطاع والانحراف".... ويواصل القائد المؤسس حديثه في الرد على الطروحات الماركسية المتقاطعة مع تاريخ الأمة ورسالتها وأيضا على الطروحات الغربية المعادية للحضارة العربية إذ يقول أن " فكرة الرسالة تقود حتما إلى تكوين نظرة إلى الماضي وعلاقته بالحاضر والمستقبل، فالاتجاه الشيوعي ينكر كل ماضي، بمعنى أنه لا يقر بصلاح أي ماضي، فهو يدعو إلى بناء جديد من أساسه عند مختلف الأمم، وهناك اتجاه آخر ينكر الماضي عامة في مظاهره فقط وفي الواقع ينكر الماضي العربي، وهذا الاتجاه هو الاتجاه المعجب بالغرب وحضارته، والذي يدعو إلى إهمال الماضي وتناسيه وأخذ الحضارة الغربية بكليتيها، فهو يعتقد أن فساد الحاضر في المجتمع العربي ليس نتيجة انحراف ومرض أصاب الأمة، بل هو نتيجة منطقية لبذور من الفساد كانت منذ البدء في حياة العرب، أو لإمكانيات من الخطأ والانحراف تضخمت ونمت مع الزمن حتى وصلت إلى هذا الحاضر،" ثم يستدرك قائلا: "وهناك اتجاه ثالث هو اتجاه البعث العربي الذي لا يتعصب لنظرية معينة ولا يقول بالأخذ المصطنع، بل يعتبر حياة الأمة كجسم حي كان صحيحا ثم اعتل، ويعتبر أن التقدم يعني معالجة المرض والعودة بالأمة إلى الوضع السوي السليم"... ويواصل القائد المؤسس "بأن الرسالة يجب أن تُفهم على أنها نزوع واستعداد أكثر من كونها أهدافا معينة محددة"... بل يذهب أبعد من ذلك مشددا على "إن الرسالة العربية اليوم هي في أن يتطلع العرب إلى بعث أمتهم، فهذا خير ما يقدمونه للإنسان لأن القيم الإنسانية لا يمكن أن تخصب وتثمر إلا في أمة سليمة".... ولمزيد من التوضيح والتأكيد يقول: "إن الرسالة العربية الخالدة هي في فهم هذا الحاضر وتلبية ندائه والاستجابة لضروراته. والخلود ليس شيئا بعيدا في الأفق أو خارج نطاق الزمن. إنه ينبعث من أعماق الحاضر، فإذا فهمه العرب بصدق و عاشوه بإخلاص فإنهم سيؤدون رسالتهم الخالدة"... ويختم توضيحاته وتأكيداته على أهمية وجوهر ومرتكزات النظرية البعثية ودورها إذ أكد "إنها تدخل هذه التجربة بإيمان، وتسعى للتغلب على كل المفاسد بنفسها وقواها الذاتية، دون مواربة أو خداع أو أنصاف حلول أو حلول سطحية"......مواصلا حديثه عن حركة البعث قائلا: "لا نعتبرها نهائية ولا كاملة، إذ أن حياتنا يجب أن تتجدد دوما وأن تنمو وتُعمق دوما...." مضيفا: "لا يجوز أن ننظر إلى الحزب إلا نظرة حية. فليس الأشخاص هم الذين يصبحون أصناما فحسب، فقد تصبح الحركة صنما وقد تصبح أفكارها أصناما، وهذا شر ما تُبتلى به حركة تريد أن تخلق وتُبدع"... ثم يشدد على معاني وأبعاد النضال بآفاقه الإستراتيجية منبها إلى "إن النضال الحقيقي لا يكون في يوم من الأيام هدما وسلبية وتنكبا عن العمل, بل هو خلق وبناء وعمل إيجابي مثمر"....ولا ينسى أن يوضح دور وموقف ومهام حركة البعث مشددا على "إن حركتنا قد وضعت يدها على أخطر المشاكل في حياة العرب وعينتها عندما حصرتها في هذه النواحي الثلاث: الحرية, الاشتراكية, الوحدة العربية. والشرط الثاني شرط عملي يتعلق بتنظيم الحركة, وكما إنها تقوم على تفكير عربي شامل فإن تنظيمها كذلك يجب أن يكون على نطاق عربي شامل, لذلك يقوم التنظيم في البعث العربي على ثلاث دعائم كما إن التفكير في البعث العربي يقوم على ثلاث دعائم أيضا هي الحرية, والاشتراكية, والوحدة العربية, فالتنظيم يقوم على أساس الجيل الجديد الذي يمثل الوعي وقوة النفس والإرادة والعقيدة, وعلى أكثرية العرب الذين لهم مصلحة حيوية في الانقلاب- (في الثورة)- كما يقوم على نطاق عربي شامل لا يتجزأ وبالتالي لا يتناحر وينفي بعضه بعضا".
هذه هي المرتكزات التي كانت تختلج في نفوس وعقول الرعيل الأول من أبناء اليمن الذي عاد إلى مسقط رأسهم بعد أن شارك البعض منهم في المؤتمر التأسيسي (القومي الأول عام 1947م)عاد وكله حماس وحيوية للتبشير وتأسيس فرع للبعث العربي في قطر اليمن منطلقا من مدينة سيئون التي رأت أولى الخلايا الحزبية فيها النور عام 1948م.
وهنا نستحضر حقيقة موضوعية ترتبط بالذين عادوا بعد أن أنهوا دراستهم في دمشق أو بغداد أو الخرطوم أو غيرها من المدن العربية، عادوا إلى "الجنوب العربي"، حقيقة تتعلق بتسمية ما أطلق عليه "الجنوب العربي" كما سمعنا تفسيرها وتأويلها من بعض العائدين مثل المرحوم شيخان عبد الله الحبشي، الأمين العام لرابطة أبناء "الجنوب العربي"، أو من المرحوم علي عقيل بن يحيى الذي كان من الرعيل الأول المثابر والمتحمس لتأسيس فرع حزب البعث العربي الاشتراكي في "الجنوب العربي" (اليمن)، وكلمة أخرى نقولها هنا لتصحيح بعض الطروحات حول مفهوم "الجنوب العربي" سمعها الرفيق الدكتور قاسم سلاّم من المناضل الكبير المرحوم محمد علي الجفري رئيس رابطة أبناء الجنوب العربي، أثناء حوار مفتوح في بغداد بينهما في النصف الأول من الثمانينات، أثناء وبعد قيام التجمع القومي للقوى الوطنية في الجنوب اليمني، وذلك الحديث، كان أثناء تواجد المناضل الكبير محمد علي الجفري قبل انتقاله إلى جوار ربه، وقبل ذلك سمعناها من الأستاذ شيخان الحبشي الأمين العام للرابطة، إذ أكد المناضلان الكبيران اللذان انتقلا إلى جوار ربهما أن كلمة "الجنوب العربي" لم تكن تعني الشطر الجنوبي من اليمن وإنما تأتي انسيابا مع تسمية مشرق الوطن العربي ومغربه شماله وجنوبه، وأضاف المرحوم الجفري رحمة الله عليه أنه كان مع إخوانه وزملائه وأقرانه من أحرار اليمن وكان أكثر المتحمسين ل"الجمعية اليمنية الكبرى"، بل كان يعتبر أنه وزملائه ورفاقه وإخوانه في الرابطة من المساهمين الأساسيين والفعليين في تأسيس الجمعية، ويضيف أنه فوجئ عندما قامت ثورة 1948م ولم يشرك الأحرار زملائهم وإخوانهم في الشطر الجنوبي لا في التخطيط ولا في التنفيذ ولا في النتائج، مما ولّد لديهم انقباض وألم ومرارة، وكان يتمنى أن تكون العملية متكاملة بتفاعل الجميع، لذا يحلل الأوضاع قائلا أنه بعد فشل ثورة 1948م لم تتم عملية ترميم العلاقة بين مناضلي الشطر الجنوبي وأحرار الشطر الشمالي من الوطن، فاتجه كل فريق في مساره مع تأكيده أنه لم يكن لدى الرابطة أي توجه انفصالي وظلت تناضل من أجل جنوب عربي بأفق إستراتيجي مرتبط بوطن عربي واحد، هكذا فسَّر الراحلان مفهومهما "للجنوب العربي" وقد أكد الأستاذ المرحوم محمد أحمد نعمان في مذكراته على كل ما طرحه المرحوم محمد علي الجفري عن العلاقة بين الرابطة وحركة الأحرار، مما يعزز ما ذكره الراحل محمد الجفري رحمة الله عليه، أما الأستاذ المرحوم شيخان الحبشي فقد كرر أكثر من مرة أنه كان يتعامل مع التسمية من منطلق قناعته البعثية بأن "الجنوب العربي" يشمل جنوب الجزيرة كلها كجزء من وطن عربي واحد يمتد من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي، واستدرك في إحدى الحوارات قائلا: "بغض النظر عن خلافه مع قيادة الحزب القومية بعد خلافها مع الراحل عبد الناصر و حدوث انفصال سوريا عن مصر وانضمامه إلى حركة عبد الله الريماوي الذي انبثق عنها قيادة سموها آنذاك القيادة القومية الثورية العليا لحزب البعث العربي الاشتراكي، كان الأستاذ شيخان أحد أعضاءها البارزين مع احتفاظه بمنصبه كأمين عام لرابطة أبناء الجنوب العربي"، وهذا الطرح لم يكن بعيدا عن الموضوعية في تلك المرحلة وتلك الظروف التي أحاطت بخلاف البعثيين مع الزعيم الراحل جمال عبد الناصر الذي احتضن تلك القيادة ودعم عبد الله الريماوي دعما كبيرا في سياق خلافه مع قيادة الحزب القومية قبل وبعد الانفصال. ولقد كان الأخ الدكتور أحمد قائد الصائدي دقيقا حين أشار في مقدمته لكتاب الأخ العزيز الرفيق عبد الوكيل السروري "عن حزب الطليعة الشعبية" حين قال: "ولئن كنا اليوم، وقد تقدم بنا العمر وعركتنا الحياة، فتشربنا عبرها واستوعبنا دروسها، ننظر إلى الماضي بعين أكثر بصيرة وبعقل أكثر روية وفهما، ونزعم أننا نستطيع أن نتناول أحداثه، حتى تلك التي كنا قريبين منها كل القرب، بموضوعية أكثر، مما كانت الطبيعة البشرية تسمح به في الماضي، فإن قول الحقيقة، كل الحقيقة، يبقى أمرا خارجا عن قدرة البشر. ليس لأننا لا نطيق قولها أو نخشى الإفصاح عنها، بل لأن الحقيقة تبقى في كل زمان ومكان مطلبا بشريا لا يمكن بلوغه، وإن ادعى الأدعياء بأنهم قادرون على ذلك. فرواية حدث تاريخي ما، يحمل دائما بصمات راويه وحالته الذهنية والنفسية ومستواه الفكري ومدى قدرته على استيعاب الحدث ومدى قربه أو بعده عن وقائع ما يرويه....." ويضيف " ولقد يكابر البعض، فيصر على أنه يمتلك الحقيقة وحده، وإن تصوره لوقائع الماضي هو وحده الصواب، وما دون ذلك ليس إلا من قبيل الباطل. ومثل هذا الموقف، المفروض على أحداث الماضي، إنما هو موقف قسري مجافٍ لمنطق الأشياء ومُصادر لحق الآخرين ومناقض للعقل ومشوه للحقيقة".
من هذه الزاوية ينبغي أن نتناول أحداث الماضي وأن نتعامل مع شخوص تلك الأحداث، سواء كانوا بمواقع قيادية كبيرة أو في مواقع وسطية أو قاعدية، فالتاريخ يبقى تاريخ وتدوين المعلومات ينبغي أن يتم تدوينا أمينا كما حدثت في ظرفها وزمانها ومكانها وكما سمعناها أو قرأناها بتجرد كامل وحيادية مطلقة، من هذه الزاوية أيضا نفهم علاقة رابطة أبناء الجنوب بالكثيرين من قادة و مناضليّ أبناء الشطر الجنوبي من الوطن الذين كانوا من الرعيل الأول في حزب البعث أو من الرعيل الأول في حركة القوميين العرب وعلى رأسهم قحطان الشعبي وفيصل عبد اللطيف الشعبي وآل السلّامي وآل السقاف وغيرهم من المناضلين الذين اجتهدوا وخاضوا صفحة مواجهة الاستعمار ومفرداته في الشطر الجنوبي، وفي إطار هذا الفهم نفهم دور الجميع كلٍ في محيطه.
وعودُ على بدء سنذكر هنا للتاريخ أن البعث عرف ساحة حضرموت قبل غيرها من أجزاء الساحة اليمنية، فالرفيق المرحوم علي عقيل بن يحيى والشهيد موسى الكاظم بن يحيى وشيخان عبدالله الحبشي وصالح عبدالله الحبشي وأبوبكر عبدالله الحبشي وحسين عبد الله الحبشي وعوض عيسى بامطرف - الذي كان له دور بارزٌ في قيادة منظمة الحزب في المكلا في مرحلة الستينات- وسالم عوض باوزير وحسين بارباع والدكتور محمد عمر الكاف والدكتور فرج سعيد بن غانم الذين كان لهم دور أساسي في انتفاضة المدرسة الوسطى بغيل باوزير عام 1958م, والمناضل الشهيد علي الغرابي - الذي واجه برجولة ومبدئية عبث الجبهة القومية عند استلام السلطة وتصدى لتصرفاتها القمعية التي تجاوزت كل حدود المنطق الأخلاقي وتحولت إلى عصابة للقتل والانتقام من معارضيها وأسرهم وأطفالهم وكأن ما كانت تقوم به يشفي غليل بعض الجهلة الذين تربعوا المواقع الأمامية فيها- كما يجدر الحديث هنا عن دور الرفيق أحمد هيثم الذي كان هو الآخر في الجبهة التي يقودها علي الغرابي فشكلا ثنائي متكامل في المواجهة والتصدي، ولا ننسى دور الرفاق عمر باسباع - في مدينة الشحر- والدكتور عبد الله صالح بابقي والأستاذ المرحوم سعيد محمد دحي رحمة الله عليه، ودورهم في أوساط الطلبة والمعلمين، وإذ ننسى لن ننسى دور الرفاق عبد الله عبدالرحمن بكير والدكتور عبدالله الكانده في العمل الحزبي المنظم والواسع بين المعلمين والمثقفين والطلبة، ولا ننسى أيضا الرفاق الذين كان لهم دورٌ بارز في الحركة الطلابية اليمنية مثل زين باحميد ويوسف بن عقيل ومصطفى عبود وغيرهم من المناضلين البعثيين المتميزين، كما لا ننسى دور بيت بن ثابت (نهد) وبيت ابن عجاج (نهد) اللذان كان لهما دور نشط بين البعثيين في مدينة الأعظمية بغداد، ولا ننسى أيضا دور الرعيل الأول والثاني من البعثيين في أوساط المعلمين والطلبة في سيئون وتريم والمكلا و في تأسيس وقيادة النادي الثقافي في المكلا إلى جانب الدور النشط والفاعل في العمل الوطني والقومي والدفع بالمجاميع الكبيرة من البعثيين وأصدقائهم وأنصارهم في الانخراط في جبهة التحرير التي كان لها دور تاريخي كبير في مقارعة ومواجهة القوات البريطانية في المحافظات الجنوبية. وللتاريخ فقط ودون الخوض في التحليل فقد كان موقف منظمة الحزب في حضرموت من حركة الثالث والعشرين من شباط في سوريا موقفا حزبيا مبدئيا رصينا، بالرغم من احترام البعثيين للأستاذ الرفيق المرحوم علي عقيل بن يحيى، الذي كان عضوا في (القيادة القومية) بعد حركة شباط، إلا أنهم تعاملوا معه في زيارته لحضرموت بعد حدوث حركة الردة في سوريا تعاملا موضوعيا، أدانوا الحدث منطلقين من حرصهم على مبادئ الحزب وقيمه ومثله وضوابط النظام الداخلي ودستور الحزب. أما موقف منظمة الحزب في حضرموت تجاه الجبهة القومية وموقفها الحاقد على الحزب والمعادي لأهدافه ومبادئه كان موقفا تاريخيا متميزا صلبا واضحا لم يخيفه عنجهية وغرور وبطش الجبهة القومية التي انصب على حزب البعث العربي الاشتراكي ليس فقط بحضرموت بشكل خاص بل في معظم المحافظات، وإن بدا التركيز على حضرموت أنه كان مقصودا وواضح المخطط، إذ استهدف اجتثاث الحزب واجتثاث بصمات الرعيل الأول من المناضلين البعثيين الذين كانوا الشمعة التي أضاءت طريق البعث ليس في محافظة حضرموت الوادي والساحل وإنما في عدن التي استمدت الإشعاع الأول من سيئون، وظلت منظمة الحزب في حضرموت على موقفها المبدئي من ردة شباط وفي مواجهة الجبهة القومية فلم تهن ولم تستسلم، وبعد قيام ثورة 17-30 من تموز في قطر العراق استعادت المنظمة نشاطها وتواصلت مع القيادة القومية للحزب قبل غيرها من تشكيلات الحزب في المحافظات الجنوبية.
هذا قطرة من غيث والحديث عن دور المناضلين البعثيين في وادي وساحل حضرموت طويل وسنترك لكل رفيق أن يدلي بدلوه لتكملة ما نقص وتوضيح ما غاب عنا توضيحه سواء ما يتعلق بمرحلة التبشير والتأسيس أو ما يتعلق بدور المنظمة في الكفاح المسلح ودورها في التصدي لعنجهية وغرور الجبهة القومية أثناء صدام الجبهتين القومية والتحرير بعد الاستقلال ومخلفات ذلك الصدام.
إننا ونحن نسجل هذه اللمحات الموجزة حرصنا كل الحرص أن نلتزم قدر الإمكان برصد الأحداث وتسجيل الحقائق كما عاصرناها أوكما رصدها المناضلون البعثيون داخل الساحة أو كما سمعناها ايضا عبر الروايات المتعددة أو النقل، حرصا منا على توخي الموضوعية، بغض النظر عن قناعتنا الخاصة. غير أننا لن نتجاهل أية مغالطات سوِّقت من خلال الكتابات التي تناولت الحركة الوطنية أو تحليل دور الحركة القومية بقطر اليمن، وكما سبق أن قلنا في الحلقة السادسة، سواء كان ذلك من قبل بعض مراكز الدراسات أو من قبل أفراد لم تكن لهم علاقة بحزب البعث أو من أشخاص حُسبوا في فترة من الفترات بأنهم صُنفوا ضمن إطار المسيرة البعثية أو على هامشها، أو من أولئك الذين كُلفوا للإساءة المأجورة لتشويه مسيرة البعث والإساءة للبعثيين بمختلف درجاتهم، وذلك من خلال سرد المغالطات والكذب بل ومحاولة الاحتيال الواضح خدمة لأعداء الحزب ليس في قطر اليمن وإنما في كافة أقطار الأمة، خاصة إذا ما عرفنا أن حزب البعث اليوم أصبح مستهدفا أكثر من غيره من الأحزاب والحركات السياسية في الوطن العربي، نعم مستهدفا من قبل القوى الحاقدة على البعث والأمة العربية من قبل القوى الإمبريالية والصهيونية والفارسية والرجعية التي ترى في البعث وأهدافه ممثلا لمصلحة الغالبية العظمى من أبناء الأمة في الوطن الكبير وخطرا على مصالح قوى الاستغلال والتعسف والاحتلال.
المراجع:
في سبيل البعث- الجزء الأول -الكتابات السياسية- ميشيل عفلق.
البعث والوطن العربي- الدكتور قاسم سلام.
نضال البعث - الجزء الأول.
نضال البعث - الجزء الثاني.
حزب البعث الطليعة الشعبية بين البعث والاشتراكي- الأستاذ الرفيق عبد الوكيل السروري.
 
 
الإحياء نت

نضال البعث في اليمن: لمحات موجزة من تاريخ البعث (الحلقة الثامنه)

 
لمحات موجزة من تاريخ البعث
 
الدكتورقاسم سلام


 
  
الحلقة الثامنة
وعودٌ على بدء نقول لكل الذين كلفوا بالإساءة إلى البعث وقياداته كما سبق الإشارة إليه في الحلقة السابعة، مؤكدين أنه لا يصح إلا الصحيح،مهما حاول أصحاب الغرض إقحام أنفسهم فيما لا يعنيهم ، إلا بقدر ما كُلفوا به من قبل الجهات المعادية للبعث العربي الاشتراكي وقياداته التاريخية، وسواء كان هؤلاء من داخل القطر أو من خارجه، فهم يعلمون أن البعث جبل لا يهزه ريح ولا تؤثر فيه زوابع وعواصف المزوبعين ومثيري الغبار، وإن ما يثيرونه من غبار لا يصيب إلا عيونهم وأبصارهم، ويعتم أكثر على بصائرهم الغائبة أصلا، هم ومن كلفهم والحاقدين الذين أعماهم حقدهم وغيب عنهم بصائرهم فأصبحوا لا يفقهون، نعم لقد جعل الله على قلوبهم غشاوة فانساقوا إلى توسيع دائرة أكاذيب الذين سبقوهم فتعاملوا معها وكأنها قولٌ منزَّل، وهم يعلمون أكثر من غيرهم أنهم يجارون كذبة مسيلمة الكذاب، ويؤدون خدمة مأجورة متفاعلين مع الدجالين الذين سبقوهم، فرحين بما لديهم، يرقصون على أوتار الحاقدين على البعث والأمة العربية، وينطبق عليهم قوله تعالى:(إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آَذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا)، فمهما حاولنا أن نصحح لهم ، فإنهم لا يذكرون ولا يبصرون إلا ما رُسم لهم وسُطر في أعماقهم ودُفن في ذاكرتهم المؤجرة والمبرمجة. وهكذا نسمع منهم هذيان الذين سبقوهم من المكلفين أيضا، في إطار المخطط المعادي لحزبنا وقياداته وأعضائه. وبالرغم من هذا كله دعونا نقول لهم اكذبوا وزيفوا الحقائق فان هذا لا يزيد البعثيين إلا ثقة بحزبهم ومبادئهم و ما تكررونه إنما يزيدهم إصرارا على مواصلة النضال ضد كذبكم وضد الذين خدعوكم أو دفعوا لكم أجرا لمواصلة لعبة الذين أرادوا استهداف البعث و البعثيين بشكل مباشر أو غير مباشر وتكاملتم مع كل القوى الحاقدة من فارسية و صهيوأمريكية، تلك القوى التي استهدفت اجتثاث البعث ليس في عراق الأمة المقاوم بل في الأمة كلها، لإدراك هذه القوى وحلفاؤها ودُماها أن البعث هو صوت الحق في الأمة وعنوان الشهادة والتضحية، وإنه أقوى من كل تخر صات هؤلاء وأولئك، سواء كان ممن امتهن لعبة المتاجرة بـ«الحرف المطبوع» أو«التغطية بالبحث والدراسات المغلفة والمبرمجة» فالتجارة هي واحدة وإن اختلفت طبيعة الدفع وتنوعت وفق المهام المأجورة.
وهنا نجد أنه بات من المهم جدا وضع النقاط على الحروف ونحن نصحح الطروحات المغلوطة والمزيفة والمضلِلة ونحاول تنقية المعلومات المسربة والتي قُصد بها القفز فوق الواقع ورسم خارطة جديدة حسب ما يريده المخرج أو ما يخدم أصحاب الغرض، وتبرير مواقف مُدانة أصلا بالمقاييس الحزبية والتنظيمية، من هذا المنطلق أردنا أن نسجل «لمحات من تاريخ البعث» حرصا منا على إزالة الغبار الخبيث المستورد،والذي قُصد به ذر الرماد على العيون ونسج قصص لأشخاص كانوا أصلا خارج المسيرة التنظيمية للبعث أو كانوا في فترة محددة على هامش صفوفه، أو قد يكون هناك بعضا من هؤلاء الموظفين في خدمة الأراجيف ضد البعث و البعثيين ،قد ارتبط بفترة زمنية قصيرة ضمن بعض حلقاته الهامشية أو في إطار المسار التنظيمي العام بين مؤيد أو نصير، وتقديم هؤلاء كأبطال وهم يعلمون أنهم كانوا هامشيين أو خارج صفوف البعث ولا داعي للقول أن ما ورد في كتاب «الأحزاب والحركات القومية العربية لجمال باروت»، لم يكن في معظمه أكثر من كلمة «بارود» أو باروت كما يطلق اليمنيون على «البارود» «باروت»، الهدف من ذلك تفجير أجواء والبحث عن سراب، فالمتتبع الحصيف والقارئ الصادق يستطيع الحكم عليه بأنه كلام عام خالٍ يفتقد الى الصحة وبالذات الحديث عن المؤتمر الطلابي للاتحاد العام لطلبة اليمن المنعقد في صيف 1969م في صنعاء. لقد نسي هذا الكاتب أو الباحث أو «ملقط الخبابير» نسي أن الرفيق قاسم سلاّم كان طالبا في إيطاليا ولم يحضر المؤتمر العام الأول للطلبة بل جاء لمراجعة وزارة التربية والتعليم حول منح الطلبة اليمنيين في إيطاليا التي قُطعت عنهم ظلما وتعسفا، ولا بد أن الأخ يحيى محمد الشامي الذي كان في حينها نائبا لوزير التربية والتعليم الأستاذ عبد الملك الطيب مطلعا على هذه القضية بل كان حاضرا أثناء تلك المراجعة ،ويعرف الطلبة الذين قُطعت منحهم لأغراض في نفس يعقوب، وهؤلاء الطلاب بعضهم لا يزال حيٌا يرزق، مثل الدكتور عبد الوهاب الغرباني، والدكتور فضل عباس والدكتور عباس زبارة وغيرهم، وقد تفضل رئيس المجلس الجمهوري القاضي عبد الرحمن الإرياني مشكورا بإصدار أمرا واضحا صارما في إعادة منح الطلبة، وقد تجاوب الأخ يحيى محمد الشامي مع الأمر وسعى جادا مع الدكتور قاسم سلاّم داخل الوزارة لتنفيذ أمر رئيس المجلس الجمهوري، وتمت إعادة المنح للمعنيين الذين كانوا سببا في وصول الدكتور قاسم سلاّم إلى صنعاء ومراجعة رئيس المجلس الجمهوري القاضي عبد الرحمن الإرياني. وإلى جانب هذا، أكد الدكتور قاسم سلاّم أمين سر القطر أنه راجع رئيس المجلس الجمهوري القاضي عبدالرحمن الإرياني بهدف استصدار أمرا بالموافقة على عقد المؤتمر العام الأول للاتحاد العام لطلبة اليمن 1969م، وتمت موافقة القاضي عبد الرحمن الإرياني رحمة الله عليه. وأكد الرفيق الدكتور قاسم سلاّم أنه لم ينتظر عقد المؤتمر ولم يشارك فيه كما أن رابطة طلبة اليمن في إيطاليا هي الأخرى لم ترسل مندوبا للمشاركة في ذلك المؤتمر، ويعرف الكثير أن الدكتور قاسم سلاّم كان من مؤسسي الحركة الطلابية اليمنية فقد انتُخِب رئيسا للمؤتمر التأسيسي المنعقد في آذار 1968م في دمشق بالاجماع، ورفض ترشيح نفسه للمجلس التنفيذي في حينها والجميع يعرف مدى حرصه على وحدة الحركة الطلابية. وكلمة حق قالها الدكتور قاسم سلاّم حول ما ورد في كتاب باروت حول «التناقضات ما بين رئيس المجلس الجمهوري عبدالرحمن الإرياني وبين حلفائه البعثيين»، مستشهدا (الحزبية تبدأ بالتأثر وتنتهي بالعمالة)، فللحقيقة والتاريخ يقول الدكتور قاسم سلاّم أن رئيس المجلس الجمهوري القاضي عبدالرحمن الإرياني لم يتعامل مع الطلبة آنذاك إلا كأب وأظهر ترحيبا بعقد المؤتمر، وليس للعبارة اية علاقة بالمؤتمر فلا شك أن موضوعها يختلف، والجميع يعرف ما لهذه العبارة من بُعد يمتد إلى ما قبل المؤتمر العام للطلبة وما بعدها في تداخلها مع أحداث أغسطس الدامي 1968م وتداخل الخنادق مع طروحات الجبهة القومية وفرعها وعناصرها المتواجدة في الشطر الشمالي. كما يؤكد الدكتور قاسم سلاّم أن المعلومات القائلة ((ظهر في المؤتمر التناقض ما بين البعثيين عموما وبين الماركسيين المتأثرين بحكم الجبهة القومية في الجنوب من جهة، وبين الجناح المؤيد لسوريا والجناح الجديد "المعلن" المضاد المؤيد للعراق، وإثر تطويق الجناح المؤيد للعراق أبدى قاسم سلاّم ديناميكية هائلة حين تمكن في أيام قليلة من حشد مجموعة كبيرة تقدر بالمئات من الأنصار والمؤيدين بمن فيهم بعض شيوخ القبائل، مما أثار المؤسستين الرئاسية والعسكرية. فقامت الأجهزة الأمنية بدفع على الأرجح من بعض الضباط البعثيين الموالين لسوريا مثل سلطان القرشي باحتجاز سلاّم في مقر إقامته، إلا أنه تمكن بمساعدة حسن "جارالله أنعم" فإن المجموعة المكلفة بتطويقه من الفرار، وعقد مؤتمر للمنظمة يعلن فيه تشكيل قيادة شعبة تقودها بحكم مستواها التنظيمي القيادة القومية مباشرة، وفي المؤتمر القومي العاشر الذي انعقد في آذار 1970م في بغداد تم انتخابه عضوا في القيادة القومية وكنوع من ممثل لمنظمة اليمن فيها. وقد تشكلت القيادة في عام 1970م من سلاّم وردمان علي حسن الشيباني وأحمد سكران وحسن جار الله أنعم، وكان مقرها في تعز كما تم تشكيل المجموعة القيادية في عدن، التي تولت إعادة بناء المنظمة من نقطة الصفر، من كل من أحمد سكران مسئولا وعبدالرحمن مهيوب وعلي الزريقي وعلي سعيد مسواط ومحمد عبدالله الذهب وسعيد فارع وأمين أحمد عون أعضاء في أجواء ضغط الجبهة القومية من جهة وضغط المجموعة البعثية التي تحولت إلى الطليعة من جهة ثانية. وضمت قيادة المنظمة على ما يبدو بعض الأعضاء البعثيين العراقيين في البعثتين الدبلوماسية والتعليمية))، ان ابلغ تعليق على مااورده باروت أنها كذبة أبريل الكبرى ونسيج عنكبوتي مخابراتي يستهدف الدس أكثر من أن يستهدف تسجيل تاريخ أو حقائق معينة، فالجميع يعرف أن الدكتور قاسم سلاّم شارك في المؤتمر القومي العاشر المنعقد في آذار 1970م في بغداد ممثلا لمنظمة الحزب في إيطاليا التي كان أمين سرها. ودعونا نتابع استمرار التهريج والكذب الملفق والمغالطة المقصودة عندما يقول باروت: ((يشير ذلك إلى اعتماد قيادة المنظمة على الولاء القبلي الجهوي تدعيما للتماسك، إذ ضمت أعضاء من قرية "شرجب" يمتون بقرابة عمومة إلى قاسم سلاّم الشرجبي أمين سر القيادة - يقصد قيادة تنظيم اليمن - كما يشير إلى عضوية ضابط فيها هو حسن جار الله أنعم الذي أطلق سلاّم من الاحتجاز،) وهذه كذبة أخرى أكبر من جبل نقم تعبر عن جهل وغباء مركب مشيرا في هذيانه (وإلى العلاقة العضوية ما بين المنظمة والبعثتين الدبلوماسية والتعليمية في عدن وصنعاء، وهذا يعتبر طبيعيا في بنية التنظيم القومي المرتبط بالقيادة القومية في بغداد الذي يعطي القيادة القومية تقليديا حق تطعيم قيادات المنظمات بأعضاء من غير مواطني القطر، كما يعتبر بالقدر نفسه طبيعيا في التنظيم القومي المرتبط في القيادة القومية في دمشق. وقد ضمت قيادة المنظمة بعض الوجوه الأساسية في منظمة البعث مثل عبد الرحمن مهيوب الذي كان من قدامى أعضاء المنظمة في الجنوب، والنقيب أحمد سكران "قائد منظمة طلائع حرب التحرير الشعبية" إبان الكفاح المسلح في الجنوب. وبفضل الدعم اللوجستي العراقي تمكنت المنظمة بقيادة سلاّم لا سيما في الشطر الشمالي من التوسع الكبير في الوسطين الطلابي والعسكري، عبر المنح الدراسية وتجنيد طلاب الدورات العسكرية اليمنية في بغداد. وبذلك كانت قاعدة الخريجين والضباط تتوسع وتتضخم باستمرار، فضلا عن الثقل القبلي للمنظمة، واستقطابها للكوادر المنحدرة من "جبهة التحرير" ومن حزب الشعب الاشتـــــراكي والمؤتمـــر العمــالي.)) - وهذا الطرح بمثابة استعراض مسرحي هو الآخر أكبر من جبل عيبان وجبل شمسان ويبدو أن الكاتب أو ما يسمي نفسه الباحث والمؤرخ، خفيف الظل لا يفقه من طبيعة الظروف في اليمن إلا تجميع زوارق والدخول صفحة الهذيان أشبه بالمحموم الذي أصابته حمى الملاريا في خندق الجبهة القومية أو خندق الردة الشباطية - ويواصل ((تعرضت فرقة عدن التي أعيد بناؤها من نقطة الصفر إلى ضربة أمنية قاسية في الجنوب، حين تحدت "الجبهة القومية" وأصدرت بيانا يندد بمشروع روجرز (1970) ويتهمها بالتواطؤ مع المشروع...... وإزاء رفض قيادة المنظمة الاستجابة لطلب عبد الفتاح إسماعيل بإنكار البيان، فإن سلطة الجبهة القومية قامت بحملة اعتقالات مكثفة ضد قيادة المنظمة لمدة عشرة أيام، ثم قتل كادرين أساسين هما أحمد سكران وأبو جلال العبسي صلة الوصل ما بين منظمة البعث والجبهة القومية في ظروف غامضة، اتهم فيها البعث أجهزة الجبهة القومية بالوقوف خلفها. ولم يطلق سراح كوادر المنظمة "العراقية")) - مواصلا هذيانه متناسيا أن الوسيط كان المرحوم الأستاذ محمد عبده نعمان الذي حاول أن يخفف من حدة الموقف - ويواصل «المؤرخ» قوله ((غير أن تقاعس بغداد عن حماية المقاومة الفلسطينية أبان مجازر أيلول 1970م في الأردن هدد التنظيم القومي برمته بانشقاق خطير كاد أن يعصف بوحدته. ويبدو أن نذر هذا الانشقاق قد انتقلت إلى منظمة اليمن، وتصدرها السكران مسئول منظمة عدن. وحين اغتيل السكران لاحقا في ظروف غامضة في صنعاء اتهمت المنظمة الجبهة القومية بالوقوف خلف عملية اغتياله،)) ..... وينسى نفسه هذا الكاتب انه كان الأولى أن يقول أين دور دمشق من المقاومة الفلسطينية في ذلك الظرف فذهب يفتش عن لعبة افتقدها في طفولته في بغداد ثم يعود في الوقت الذي قال "اتهمت المنظمة الجبهة القومية" ينسى ذلك ويقول "في حين اتهمت مجموعته سلاّم والسفارة العراقية بذلك" ويشطح قليلا فيقول "وأدى احتدام الخلاف الداخلي ما بين ردمان الشيباني وسلاّم إلى إخراجهما في حزيران 1972م من القيادة، وإرسالهما إلى بغداد، فتحمل مهيوب مسئولية القيادة في حين تولى أمين عون مسئولية قيادة التنظيم في الجنوب. مما دفع القيادة القومية وصدام حسين شخصيا إلى عقد مؤتمر سري للمنظمة في بغداد في منتصف عام 1971م تم فيه تطويق الانشقاق، لكن بعد أن ترك قدر معين من الأعضاء الحزب." مسكين هذا الكاتب ومسكينة الجهة التي غذته بالمعلومات، أولا يقول "أن الدكتور قاسم سلاّم انتخب عضو قيادة قومية في آذار 1970م" ثم ينسى ويعود ويقول "احتدم خلاف بين ردمان الشيباني وسلاّم أدى إلى إخراجهما في حزيران 1972م من القيادة" أي قيادة هذه التي يتحدث عنها "ثم إرسالهما إلى بغداد" فهل يعني أرسلا مخفورين إلى هناك!؟ ثم تحدث عن تحمل مهيوب لمسئولية القيادة في الشمال وأمين عون في الجنوب متناسيا أن حزب البعث ليس «بقالة أو دكان» كما أنه ليس شركة مقاولة، ثم يعود ويتناقض بشكل غريب ويقول "هذه الحالة دفعت القيادة القومية وصدام حسين شخصيا إلى عقد مؤتمر سري للمنظمة في بغداد في منتصف 1971م تم فيه تطويق الانشقاق" ويضيف "ترك قدر معين من الأعضاء الحزب"، تناقض في السرد، تناقض في التواريخ، خلط في المعلومات، وكنا نتمنى على جمال باروت على الأقل أن يدقق فيما يكتبه، أما ما يقولون له فهذه مسألة أخرى، إذ من الموضوعية بمكان أن نؤكد هنا ما أكده الدكتور قاسم سلاّم تأكيدا قاطعا أن ما ورد في صفحة 488- 491- جمال باروت - ليس إلا من نسج الخيال مع الأسف الشديد، ويوضح الدكتور قاسم سلاّم أنه لم يحتجز وأنه لم يكن هناك الرفيق حسن جار الله أنعم كما ورد في الكتاب، وهو للعلم ليس عسكريا بقدر ما هو موظف مدني بأمانة العاصمة وهُضمت كل حقوقه بفضل الذين كانوا قد تخندقوا مع ردة 23 شباط 1966م، وللتاريخ وتثبيت الحقائق يؤكد الدكتور سلاّم أن سلطان القرشي كان مكلفا من قبل ما أسماه آنذاك قيادة الشعبة لزيارته إلى فندق المخاء ليطلب منه عدم فتح ملف الخلافات الحزبية الآن وأن المنظمة لا تتحمل مثل ذلك الخلاف وأشار إلى أن الشعبة تتوجس من تحركاته بين البعثيين وتنظر للموضوع بحذر وتأمل عدم الاندفاع في شق التنظيم ونصح أن تُترك الأمور للزمن .. مخاطبا سلاّم "وأنت ما زلت في إيطاليا تواصل دراستك فربما تعود وقد هدأت الحالة وصححت الأمور"، ثم ألمح أنه بموقعه رئيس الأمن الوطني يستطيع أن يتخذ إجراء ضد الدكتور قاسم سلاّم، فكان الرد عليه واضحا وحادا بل واستفزازيا إلى حد أن الدكتور قاسم سلاّم شكك بحزبيته فتحول الأمر بعد ذلك إلى مداعبة و استلطاف وتركه سلطان القرشي وهو يودعه بدماثة سلطان الذي عرفه سلاّم في القاهرة طالبا في كلية الشرطة بعد الثورة، ولم تكن له علاقة تنظيميه آنذاك بحزب البعث العربي الاشتراكي.
هكذا كان الموقف ولم يكن كما استعرضه "جمال باروت." أما حضور قاسم سلاّم للمؤتمر القومي في آذار 1970م في بغداد، فقد كان ممثلا لتنظيم الحزب في إيطاليا وليس تنظيم اليمن كما اشار،ولا ندري ،كيف تم الخلط بين سلاّم وردمان علي حسن وأحمد سكران، ولانفهمها الاعلى أنها فبركة مركبة ونوع من الجهل الفاضح بالحقائق وغياب الصورة أمام الناقل أو الكاتب أو من يمكن أن يسمي نفسه بالباحث، ويؤكد الدكتور قاسم سلاّم أنه أثناء تواجده في صنعاء آنذاك كان قد حرص كل الحرص على فتح الحوار مع الأخ يحيى محمد الشامي حول الموقف من ردة 23 شباط وأهمية فتح الحوار من أجل الوصول إلى موقف مبدئي واضح، كما امتد الحوار إلى الأخ الدكتور عبده علي عثمان حول نفس الموضوع، مؤكدا لهما أنه لم يأتِ لشق الحزب ولكن عندما يصر الطرف الآخر على التمسك بموقف الردة الشباطية سوف يضطر إلى التواصل مع البعثيين للعودة إلى الجذور والتحرر من طروحات 23 شباط التي كانت في نظره بوابة هزيمة حزيران، وأكد لهما أن الحسم العسكري الشباطي مرفوض جملة وتفصيلا داخل الحزب ولا يمكن أن يكون بديلا للضوابط الحزبية والأخلاقية والفكرية للبعث. أما موضوع عبد الحافظ نعمان فهو يعرف جيدا أكثر من غيره أنه قبل سفره إلى عدن زار الدكتور قاسم سلاّم في بغداد وطلب منه تبني طلب عودته إلى الحزب، فكان رد الدكتور قاسم سلاّم في حينه ردا حزبيا وهو أن المطلوب منه أن يتقدم بطلب العودة إلى التنظيم عبر منظمة الحزب في صنعاء، وإلى جانب هذا الموضوع طلب تذاكر سفر إلى عدن لتلبية دعوة جاءته من المرحوم سلطان أحمد عمر ليكون ممثلا للحزب في الجبهة الوطنية الديمقراطية التي أفاد أنها ستُعلن قريبا، فكان رد الدكتور قاسم سلاّم «أي حزب ستمثل ونحن لا علاقة لنا بما يسمى بالكفاح المسلح في المناطق الوسطى، وأنت ليس لك علاقة تنظيمية في الحزب، ولنا وجهة نظر حول هذا الموضوع».... لحظتها رد عبد الحافظ «أن الإخوان في سوريا وعدوني بتعييني عضوا في قيادتهم القومية»، فما كان من الدكتور قاسم سلاّم إلا أن يبارك له ذلك مضيفا «هذه قناعتك، أما أن تذهب لتمثل الحزب فهذا سوف نرد عليه بالنفي القاطع» وفعلا صدر تصريح في الصحف الكويتية وبالذات صحيفة السياسة الكويتية حول النفي القاطع لما ظهر في بعض الصحف التابعة لنظام الجبهة القومية حول «الجبهة الوطنية الديمقراطية» ومشاركة عبد الحافظ نعمان باسم الحزب، مؤكدا أنه لا يمثل إلا نفسه وأن حزب البعث العربي الاشتراكي في قطر اليمن ليس له علاقة فيما نشرته صحف نظام عدن وما ظهر في المؤتمر الصحفي الذي عقد من قبل سلطان أحمد عمر وعبدالحافظ نعمان في بيروت.
لا شك أن هذا الخلط في المعلومات التي أوردها باروت والأحداث قد يكون مقصودا وقد لا يكون ذلك وإنما نستطيع القول ان هناك جهل للحقائق وتعامل مع معلومات مغرضة تتناقض مع المنحى العلمي ألتوثيقي ، وهي حالة قد تحدث في «دواوين ومقايل» القات وقصص ألف ليلة وليلة .
إننا نستغرب ان يصدر مثل هذا المطبوع من مؤسسة قومية كالمركز العربي للدراسات الإستراتيجية إنه أمر محير، خاصة عندما يتم التعامل مع قضايا من هذا النوع تعاملا سطحيا خالٍ من الموضوعية وأسلوب البحث العلمي والضوابط الأخلاقية التي تراعيها كافة الأبحاث والدراسات وخاصة عندما تكون صادرة عن مراكز من هذا النوع.... كنا نتمنى أن لا نتوقف كثيرا أمام طروحات جمال باروت ولكن المسئولية التاريخية والأمانة العلمية والحرص على توضيح الحقائق والرد على التخرصات التي تستهدف نضال البعث والبعثيين، وسنحاول في الحلقات القادمة متابعة بعض الطروحات والمعلومات التي في ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، ولن نتردد من أن نوضح الحقائق بعيدا عن المماحكة والمناكفة.
بعد هذه المداخلة العارضة والتي كان لا بد منها نواصل مجددا التذكير بالفعاليات الثقافية والسياسية لرفاقنا في حضرموت بامتداداتها وعلاقتها الجدلية، تلك الفعاليات التي كانت مدخلا طبيعيا للكسب الحزبي بين صفوف المعلمين والطلبة والمثقفين ،في التواصل مع بدايات التبشير والتأسيس في مجتمعيّ الوادي والساحل. وهي الجهود الفكرية والتنظيمية التي تزامنت مع بدايات التبشير والتأسيس في محافظة عدن حيث كانت أجواؤها مهيأة أكثر للعمل النقابي والثقافي والحزبي بحكم موقع عدن الجغرافي وتعاملها مع حركة السفن والتجارة والعبور، حيث سنجد أنفسنا نقف وقفة تأملية حول بدايات نشاط الحركة القومية، حزب البعث، حركة القوميين العرب، الأحزاب الوطنية، الاتحاد اليمني، الجمعية اليمنية الكبرى، حزب الشورى اليمني,والندوة الثقافية للشباب العربي ، وحزب الشعب ورابطة أبناء الجنوب،والأحزاب المحلية «المحدودة الهوية» التي كانت أداة لخدمة الاحتلال ثم الحديث عن المؤتمر العمالي والحركة الطلابية والشبابية وكافة الفعاليات التي كانت تتتالى في عدن بجهود الأحزاب السياسية والنقابية والطلابية ومختلف النشاطات المسئولة التي كانت تتصدى للوجود الاستعماري منذ منتصف 1955 وحتى الاستقلال.
المراجع:
الأحزاب والحركات القومية العربية- الجزء الأول
 
 
الإحياء نت

نضال البعث في اليمن: لمحات موجزة من تاريخ البعث (6)

لمحات موجزة من تاريخ البعث
 
الحلقة السادسة

نعم لقد كانت قرارات المؤتمر التأسيسي (المؤتمر القومي الأول) دافعا قويا للحزب ولأعضائه كي ينتشر وكي يتوسع أعضاؤه أيضا في علاقاتهم بالجماهير والقوى الشعبية المختلفة والتي كانت مرتكزا أساسيا لانتشار فروعه في الأقطار التي شارك بعض أبنائها في مؤتمره التأسيسي، من أولئك الذين كانوا طلابا في الجامعات وشاركوا في أعمال المؤتمر التأسيسي (المؤتمر القومي الأول)، والذين عادوا إلى أقطارهم وبدأوا في التبشير والتأسيس معا، حيث اعتُبرت المرحلة بعد المؤتمر القومي الأول وقراراته، مرحلة امتداد ما بين 1948 و1958م، كبرفيها حجم الحزب وثقل وزنه الشعبي من خلال نضاله المتواصل في سبيل الوحدة والحرية والاشتراكية، مؤكدا أنه لم يكن حزبا قطريا، بمرتكزاته وأهدافه وتنظيمه، فهو حزبا قوميا يناضل نضالا وحدويا بآفاق إستراتيجية واضعا نصب عينه النضال في سبيل الوحدة والحرية والاشتراكية، ويقول الأستاذ شبلي العيسمي: "ومن الجدير بالذكر أن الحزب بدأ يربط بين الوحدة والحرية والاشتراكية منذ عام 1946م ثم تبلورت بشعار واحد في صيف 1949 وبرز الاهتمام بهذا الترابط وضرورته في مرحلة النمو والتوسع".
لقد كانت عملية انتشار فكر الحزب واتساع نشاطه الفكري والتنظيمي في كل من العراق والأردن ولبنان ومصر وبقية الأقطار العربية انتشارا تداخل فيها النضال من أجل التأسيس والنضال ضد الأنظمة الرجعية والهيمنة الأجنبية والأحلاف والنضال العنيد المتواصل من أجل الوحدة العربية، وكانت وحدة 1958م بين مصر وسوريا تتويجا لنضال الحزب وتفاعله مع الجماهير العربية ليس فقط في سوريا ومصر وإنما في أقطار الأمة التي نشأت فيه فروع واتسعت ساحته وتعمقت علاقاته بالجماهير. لقد كانت المنطقة العربية مليئة بالصراعات القطرية والصراعات الدولية، صراع المعسكرات الغربية والشرقية، كما اتسمت المرحلة بسمات الانقلابات العسكرية في سوريا 1949م وثورة 23 يوليو 1952م والمتغيرات في قطر السودان، كما اتسمت بمشاريع ومعاهدات بريطانية وحلف الدفاع المشترك وحلف بغداد ومشروع دالاس، ومشروع إيزنهاور، كما اتسمت أيضا بالدعوة لسياسة الحياد وعدم الانحياز وقيام ميثاق الضمان الاجتماعي بين السعودية ومصر وسوريا 1955م، واتسمت أيضا بمدٍ ثوري بعد إعلان عبد الناصر تأميم قناة السويس في 26 تموز 1956م وتصاعد ردود الفعل الغربي وبالذات موقف بريطانيا وفرنسا، والكيان الصهيوني للرد على هذا الموقف، وكان أبرز الأحداث بعد حرب السويس هو حدث قيام الوحدة بين القطرين الشقيقين سوريا ومصر في 22 شباط 1958م، ومحاولة الرد على هذا الحدث الكبير بقيام "الاتحاد الهاشمي" كرد فعل عليها، إلا أنه لم يتمكن من الصمود إذ انتهى بقيام ثورة 14 تموز في العراق التي انقَّضَت على النظام الملكي وحلف بغداد.
لقد كانت الفترة الممتدة بين 1949 و1958م فترة غليان جماهيري، إلى جانب ضغوطات غربية داعمة للكيان الصهيوني الذي احتل فلسطين مدعوما من قبل الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية في توسيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين في محاولة للسيطرة عليها ومنع التقارب العربي-العربي ومحاولة الإجهاض على وحدة 1958م ومواجهة المد الثوري العربي بشكل عام. لم يكن الغليان محصورا في المشرق العربي بل كان له امتدادات إلى المغرب العربي، حيث اتسعت رقعة المواجهة بين الاحتلال الفرنسي والحركة الوطنية التونسية التي حملت السلاح ضد الوجود الاستعماري وحققت استقلال تونس عام 1956م، وكذا امتداد ساحة المواجهة المسلحة داخل المملكة المغربية التي انتهت إلى استقلال المملكة المغربية وعودة السلطان محمد الخامس إلى السلطة، في حين اتسعت ساحة المواجهة في ساحة الجزائر وكانت الثورة الجزائرية التي واجهت الاحتلال الفرنسي مواجهة قوية قد أجبرت المحتل على الجلاء بعد تقديم مليون شهيد من أبناء الجزائر الأبطال.
حقا لقد تواصل نضال الحزب منذ المؤتمر القومي الأول وانتشر في أكثر من ساحة، فكان كما يقول الأستاذ شبلي العيسمي: "كالكائن الحي الذي ينمو ويتطور فيرافق ذلك بعض الأزمات والصعوبات، ولكنه يكتسب الكثير من تجاربه، ومن مواطن الخطأ والصواب في مسيرته"......... مواصلا "فالحزب ككائن حي ينمو ويتطور، ويخرج من مرحلة ليدخل في أخرى جديدة... وعندما يبلغ أشده ينبغي أن تنقلب فيه العفوية إلى وعي، والبراءة إلى ذكاء والفوضى إلى نظام، ويجب أن تحل النظرة الموجبة المرشدة له في نضاله، محل الاجتهادات والاختبارات... والنهج الحزبي محل الارتجال اليومي. إننا نعتبر الحزب قد قطع مرحلة التكوين منذ عدة سنين وإن فيه الاستعداد الكامل للتخلص من صفات وعقلية تلك المرحلة...".
لقد واجه الحزب أثناء انتشار فكره وتأسيس فروعه في مختلف الأقطار، واجه محاولات اجتثاث الهوية القومية وطمس اللغة العربية واستئصال التراث العربي، ومحاولات فرض سياسة
التجهيل والعزل السياسي والفكري وترسيخ الأوضاع الإقليمية والقطرية وتجذير قاعدة التشرذم وبذر بذور الفتنة الطائفية والعرقية والعنصرية في أكثر من قطر من قبل الاستعمار وأعوانه وحلفائه من الذين تقلدوا المراكز القيادية وتسلموا السلطة من المحتل، إلى جانب محاولة توظيف الجامعة العربية وميثاقها المعلن عام 1945م والذي اعتبره حزب البعث العربي (أنه صورة ناقصة مشوهة لأماني العرب الحقيقية في الوحدة، لأنه صادر عن حكومات، هي صورة ناقصة ومشوهة لحقيقة الشعب العربي. ولكنه رغم جميع علله ونواقصه قادر على تحقيق بعض الخير للعرب، فيما لو استطاعت الحكومات أن تُخلص له وتفيد من جميع إمكاناته).
لقد واجه البعث في الأقطار الذي نشأ فيها تنظيمه كالعراق وسوريا ولبنان ومصر كافة النشاطات المعادية للوحدة من قبل القوى الرجعية والاتجاهات المناطقية والقطرية والعنصرية وأيضا النشاط العلني للشيوعيين ضد الوحدة وبالذات رفضهم لانضمام العراق إلى وحدة 1958م والتي اعتبروها، كما أشار إليه الأستاذ شبلي العيسمي في كتابه حزب البعث العربي الاشتراكي- مرحلة النمو والتوسع، "أولا:لأنها خطوة في غير وقتها، وثانيا: تتعارض مع مصالح الشعوب العربية الاقتصادية والمالية، وثالثا: تهضم حقوق الأقليات القومية الموجودة في البلاد العربية"، هكذا كان نشاط كل خصوم الوحدة وفي مقدمتهم الأحزاب الشوعية العربية والتي بذلت كل ما تملك من جهد ونشاط لمعاداة الوحدة وعزل ثورة 14 تموز في العراق، وإبعادها عن الانضمام لوحدة سوريا ومصر، ويؤكد الأستاذ شبلي العيسمي "وكانوا بارعين في طرح شعار (اتحاد لا وحدة)، حتى إذا ما زال احتمال الوحدة، انتقلوا لطرح شعار (جمهورية لا إقليم ولا زعيم إلا كريم)، كما ركزوا على شعار تمتين الصداقة مع الاتحاد السوفيتي كرد فعل على شعار الحياد الإيجابي وعدم الانحياز الذي تبناه حزب البعث ودولة الوحدة".
لقد أتت وحدة 1958م قوة دفع جديدة لجماهير الأمة من المحيط إلى الخليج، فكانت كما وصفها حزب البعث في نشرة داخلية قومية "إن قوة الجمهورية العربية المتحدة كنواة: هي بالدرجة الأولى في مقدار تجاوبها مع أفكار وإرادة الشعب العربي في مختلف أقطاره وفي عملها الدائم لبناء نموذج حي تقدمي، يكون مركز إشعاع وجذب لتجميع قوى الثورة العربية وتطويرها، فلن تستطيع الجمهورية أن تؤثر في الثورة العربية كرافعة لشعارات التحرر والوحدة والديمقراطية إلا بنسبة ما تزدهر في ربوعها هذه الشعارات".
لقد كانت جاذبية الوحدة بين جماهير الأمة غير عادية، بل ألهبت مشاعر الجماهير وكادت تُسقط أنظمة رجعية لو لم تبادر القوى الغربية وفي مقدمتها بريطانيا وأمريكا بإنزال قوات عسكرية في لبنان والأردن، الأقطار المجاورة لسوريا والعراق ومصر، في محاولة لحماية تلك الأنظمة ومواجهة المد الثوري بعد ثورة 14 تموز في العراق وحماس الجماهير العربية عقب قيام الجمهورية العربية المتحدة. وتأتي كلمة الأستاذ ميشيل عفلق القائد المؤسس الأمين العام للحزب أصدق تعبير عن مفهوم البعث للوحدة إذ يقول "الوحدة ثورة تاريخية" ...."إنها هي بصورة خاصة المعيار لثورية الأفراد والجماعات، ولثورية أمتنا في هذه المرحلة... وأن ما تحقق للعرب في هذه الظروف هو نتيجة ثورة وبداية ثورة... هذه الوحدة التي هي ثمرة لنضال الماضي ستكون بدورها بذرة قومية ومحركا قويا لثورات متعاقبة وتحقيق هذه الخطوة سيبدل النفسية العربية في كل مكان... وسيكون لها آثار ونتائج سياسية واجتماعية ضخمة عاجلة وآجلة". ويواصل القائد المؤسس قوله "إن هذه الخطوة ما تزال معرضة لأخطار كثيرة، والأخطار المكشوفة هي أخف الأخطار لأنها مكشوفة، والأخطار المخفية هي التي لا تظهر كثيرا بوضوح تام. وأهمها أن يستمر شيء من عقلية التجزئة، وأن ننسج الوحدة بخيوط التجزئة فتتناقض وتفشل"....مواصلا حديثه عن وحدة مصر وسوريا "فلنتعاهد على أن نجعل من هذا النصر الجزئي الذي حققه جميع العرب... على أن يكون فاتحة جديدة لعمل قومي موحد منظم. وأن تكون هذه الوحدة الصغيرة التي يفرح لها العرب في كل مكان. أن تكون النواة للوحدة الشاملة، وأن تنصب أكثر جهودها إلى مساندة ودعم حركات التحرر، وإلى العمل لتوحيد الأقطار المجزأة".
لم تكن عملية التبشير والتأسيس لفروع الحزب في الأقطار إلا ترجمة عملية لمنطلقات فكر البعث وتنظيمه القومي الذي يرى الوطن العربي بمشرقه ومغربه ساحة واحدة، فكان مشروع الحزب الذي قدمه في القطر السوري بعد الوحدة مركزا على: "السعي لجعل الأقطار العربية قادرة على الانضمام لاتحاد سوريا ومصر باعتبارها نواة للوحدة العربية الشاملة وطريقا عمليا لتحقيقها".... مطالبا أيضا "بتحقيق الوحدة الثقافية والاقتصادية والتشريعية بين جميع الأقطار العربية بوصفها عاملا من العوامل المساعدة لتحريرها وتوحيدها".... ثم أضاف "ليس في وحدة سوريا ومصر نكاية لفئة أو تحدٍ لقطر، ما دامت في مصلحة جميع العرب... فلا بد إذن أن يكون للوحدة اتجاه وأن تتجه نحو التحرر والتقدم، فهما طريقها وغايتها وهي لهما الضمانة الكبرى". وهنا نتبين بوضوح أن البعث في نضاله الوطني والقومي كان يتمسك بالمبدئية ويعمل من خلال قناعته بمنطلقاته القومية الواضحة، مصرا على ترسيخ نهجه والسير إلى الأمام في طريق الوحدة العربية الشاملة متجنبا "المحورية" وأساليب التكتيك والمناورة. لقد ترسخت هذه القناعة لدى البعثيين من خلال ما أعلنه الحزب وناضل من أجله وما أعلنته قرارات مؤتمره التأسيسي ومن خلال نضال فروع الحزب في الأقطار التي تمكنت من أن تنشئ فروعا في ظل المواجهات السياسية والحزبية التي عاشتها مرحلتي التأسيس والتبشير والانتشار الممتدة من بداية الأربعين حتى 1958م وما بعدها.
لا شك أن البعض قد يتصور أننا سنمضي في الحديث عن فروع الحزب في مختلف أقطار الأمة من خلال استعراضنا لمرحلة التبشير والتأسيس والانتشار غير أننا أردنا من هذا الاستعراض شد انتباه المتابع أو الحريص على معرفة الجذور والمسيرة كي يتم التواصل بين الأمس واليوم، ومن خلال هذا التواصل سيعرف أننا لم نقصد غير التمهيد الموضوعي للتمكن من قراءة نضال حزب البعث في اليمن في مرحلتي الاستعمار في الجنوب والنظام الكهنوتي المندحر في الشمال، ومرحلتي ثورة السادس والعشرين من سبتمبر والرابع عشر من أكتوبر في مسيرة مترابطة بين الأمس واليوم، حتى نتمكن من توضيح بعض ما رافق مسيرة الحزب من غموض والتباسات أو بعض ما تجنى عليه بعض الكتاب أو بعض الأقلام التي لم تعرف من البعث وتجربته إلا النزر اليسير، بل لم تكن متفاعلة مع مسيرته، ولم تكن مطلعة على أهدافه وسماته الفكرية والنظرية والسياسية بقدر ما التصقت به في لحظة من لحظات الغفلة واحتُسبت على المسيرة، أو حسبت نفسها في مسارها وهي لم تكن كذلك. ثم سنحرص كل الحرص على أن نسمي الأمور بمسمياتها ليعرف القاصي والداني كم ظُلم البعث ممن صنفوا أنفسهم ونُسِبوا إلى مسيرته، وهم يعرفون معرفة جيدة أنهم كانوا بين (مكّلف) أو (متطفل) أو (صاحب غرض)، وتناسى كل هؤلاء أنه في نهاية المطاف لا يصح ولن يصح إلا الصحيح، وأن جوهر الأمور ومعادنها الأصيلة تظل كما هي وأن التطفل والتعرض للمسيرة بهدف الإيذاء والتشويش والتشويه لا يمكن أن يرافقه إلا الفشل الذريع، وأن الحقائق تعلن عن نفسها، كما أن التاريخ لا يمكن أن يغفل الاصطناع أو التصنع والتستر ولا يمكن له أن يتجاهل البراقع التي يُراد بها الغش والخداع والكذب والنفاق والتزلف لهذا أو ذاك، ولا يمكن للتاريخ أن يتجاهل سياسة الدس، والشيطنة، مهما امتلك أصحابها من القدرات في الفذلكة والتلاعب بالألفاظ والمغالطات والتزوير والتستر بالشعارات المظللة، فالحق يبقى والباطل يزهق.
الحديث عن فترة التبشير والتأسيس والانتشار ونشأة البعث داخل الساحة اليمنية سيكون هدفنا في الحلقات القادمة إن شاء الله، وفي حين أننا سوف لن نخرج عن الموضوعية فإننا لن نتجاهل المغالطات التي سيقت من خلال الكتابات التي تناولت الحركة الوطنية أو تحليل دور الحركة القومية بقطر اليمن، سواء كان ذلك من قبل بعض المراكز دراسية أو من قبل أفراد لم تكن لهم علاقة بحزب البعث أو من أشخاص حُسبوا في فترة من الفترات بأنهم صُنفوا ضمن إطار المسيرة أو على هامشها أو من أولئك الذين كُلفوا للإساءة المأجورة لتشويه مسيرة البعث، من خلال سرد المغالطات والكذب بل ومحاولة الاحتيال الواضح خدمة لأعداء الحزب ليس في قطر اليمن وإنما في كافة أقطار الأمة.
المراجع:
في سبيل البعث- الجزء الأول - الكتابات السياسية- ميشيل عفلق.
حزب البعث العربي الاشتراكي- مرحلة الأربعينيات التأسيسية 1940- 1949م- شبلي العيسمي.
حزب البعث العربي الاشتراكي- مرحلة الأربعينيات التأسيسية 1949- 1958م- شبلي العيسمي.
البعث والوطن العربي- الدكتور قاسم سلام.
نضال البعث - الجزء الثالث
نضال البعث - الجزء الرابع
نضال البعث - الجزء السادس

نضال البعث في اليمن: لمحات موجزة من تاريخ البعث (5)

لمحات موجزة من تاريخ البعث
 
الحلقة الخامسة

لم يأت المؤتمر التأسيسي (القومي الأول) في السابع من نيسان 1947م من فراغ، بل أتى تتويجا لجهود نضالية متواصلة امتدت من عام 1935م والتي عُرفت بمرحلة التبشير الفكري وبلورة المنطلقات والسمات العقائدية "للبعث العربي"، تلتها مرحلة التبشير التنظيمي التي اعتُبِرت امتدادا للتبشير النظري، وقاعدة مهمة لترجمة النظرية البعثية العقائدية الثورية والانقلابية، فكانت أساساً مهما وجادا، أوصلت إلى المؤتمر التأسيسي الذي فتح الطريق واسعا أمام مبادئ البعث ومنطلقاته الفكرية والتنظيمية، ومكنته من خوض المعارك المختلفة في الأقطار العربية التي بدأت بذوره - كحزب عربي شعبي - تزهر، وساحته تتسع في الأوساط السياسية والاجتماعية "كحزب عربي شامل تؤسَس له فروع في سائر الأقطار العربية، وهو لا يعالج السياسة القطرية إلا من وجهة نظر المصلحة العربية العليا"، وهنا نجد الأستاذ شبلي العيسمي يوضح في الجزء الأول من كتابه (حزب البعث العربي الاشتراكي مرحلة الأربعينات التأسيسية) قائلا: (بعد أن تبلورت أفكار الحزب وأهدافه الأساسية. وبعد أن فرض وجوده السياسي والشعبي عبر مسيرته النضالية في السنوات السابقة، كان من الطبيعي أن يتداعى أعضاؤه لعقد مؤتمر تأسيسي، يضعون فيه تلك الأفكار والأهداف بصيغتها النهائية، ويحددون إستراتيجية الحزب وأسلوبه في العمل، ويوضحون سياسته الداخلية والخارجية والاقتصادية والاجتماعية.... وفي صباح اليوم الرابع من نيسان 1947م حضر إلى دمشق أكثر من مائتي عضو "217" من الذين مكنتهم ظروفهم الخاصة من الحضور، وكان من بينهم بعض طلاب جامعيين، من الأردن ولبنان والعراق واليمن، وهذا العدد نصف مجموع عدد الأعضاء، .... وعندما تكامل وصولهم إلى مقهى الرشيد الصيفي في شارع 29 أيار في تمام الساعة العاشرة، هتفوا بصوت واحد "أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة" ... إيذانا بافتتاح الجلسة الأولى للمؤتمر).
لقد كان هذا المؤتمر ترسيخا لمنهج البعث الفكري والتنظيمي، إذ وضح القائد المؤسس أحمد ميشيل عفلق القائد المؤسس للحزب منطلقات البعث النظرية وأبعادها التنظيمية التي أتى الدستور والنظام الداخلي الذي أقره المؤتمر ليؤكد عليها وجاءت التقسيمات الحزبية ترجمة عملية لتلك النظرية التي أكدت على عملية التسلسل الإداري في ساحة قومية واحدة "فروع، شعب، فرق، منظمات رأسية، خلايا"، مقرونة بتحديد صريح وواضح" لشروط الانتساب والعضوية".
ومن خلال التوقف الجاد والمسئول أمام قرارات المؤتمر التأسيسي الفكرية والسياسية والاجتماعية والتنظيمية يستطيع المتابع والباحث معرفة الأهداف البعثية والسمات النظرية التي ميزته عن الأحزاب التي سبقته أو رافقت مسيرته منذ 1935م حتى 1947م وما تلا ذلك، وقد تجلى هذا في كافة الأبعاد ومضامين القرارات التي وجدنا من المناسب تسجيلها هنا ليتمكن الجميع الإطلاع والاستنتاج والاستفادة منها، إذ أنها لم تأتِ للبعثيين فحسب بل لكل المناضلين من أبناء الأمة العربية من محيطها إلى خليجها، وقد تركزت هذه القرارات في مضامين كبيرة (فكرة عربية اشتراكية انقلابية وعمل واحد شعبي نضالي) وقرارات أكدت على:
1- إرادة العرب هي أن يعيشوا أحرارا في دولة واحدة، وأن يجدوا جميع الأمم تتمتع مثلهم بالحرية.
2- إن الهدف الأول من وجود العرب السياسي، هو صيانة مصلحة عربية واحدة، تعتبر نقطة البداية في كل خطوة يخطوها العرب في نضالهم السياسي، للتحرر من الاستعمار ولإنشاء كيان وطني عربي واحد بين شعوب العالم.
3- العرب أمة واحدة حرة، لها حقها الطبيعي في أن تحيا في دولة واحدة، وأن تكون حرة في توجيه مقدراتها.
4- يعتبر حزب البعث العربي الوطن العربي وحدة اقتصادية سياسية لا تتجزأ، ولا يمكن لأي من الأقطار العربية أن يستكمل شروط حياته منعزلا عن الآخر .
5- يعتبر البعث الأمة العربية وحدة روحية ثقافية تزول جميع الفوارق القائمة بين أبنائها بيقظة الوجدان العربي.
6- إن الأمة العربية ذات مزايا خاصة، تجلت في نهضاتها المتعاقبة واتسمت بخصب الحيوية والإبداع.
7- يعتبر الحزب ازدهار الوطن العربي متوقفا على حرية الفرد، ومدى الانسجام بين تطوره وبين المصلحة القومية.
8- يؤكد أن حرية الكلام والاجتماع والاعتقاد والفن مقدسة لا يمكن لأي سلطة أن تنتقصها.
9- إن الاستعمار عمل إجرامي، يكافحه العرب ويسعون إلى مساعدة الشعوب المناضلة في سبيل حريتها. وإن الإنسانية مجموع متضامن في مصلحته، مشترك في قيمه، يضمن التعاون بين الأمم والرفاهية والسلام والسمو فيه.
10- إن حزب البعث حزب اشتراكي يؤمن بأن الاشتراكية ضرورة تتيح وحدها للشعب العربي تحقيق إمكاناته ونموه المضطرد.
11- إن حزب البعث العربي حزب شعبي، يؤمن بأن السيادة للشعب، وإنه وحده مصدر كل سلطة، وإن قيمة الدولة ناجمة عن انبثاقها عن إرادة الجماهير، كما أن قدسيتها متوقفة على مدى حريتهم في اختيارها.
12- إن حزب البعث حزب انقلابي، يؤمن بأن حياة العرب التقدمية الجديدة، لن تكون إلا بانقلاب شامل على الواقع الفاسد، يشمل جميع مناحي الحياة الفكرية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية ونضال في سبيل التحرر والوحدة.
13- إن المرأة العربية تتمتع بحقوق المواطن كلها، وإن الحزب يناضل في سبيل رفع مستواها.
14- أقر المؤتمرون في المادة الثالثة من سياسة الحزب الخارجية، أن العرب دوما في صف الحرية والتقدمية، ضد الاستعمار والرجعية في العالم.
15- أقر المؤتمرون في سياسة الحزب الاقتصادية أن الثروة الاقتصادية في الوطن العربي للأمة.
16- أكد المؤتمرون أن التوزيع للثروة في الوطن العربي غير عادل، ولذلك يُعاد النظر في أمرها وتوزع بين المواطنين توزيعا عادلا. وأن الملكية والإرث حقان طبيعيان ومصونان في حدود المصلحة القومية، كما نصت المادة الخامسة في دستور الحزب "إن المؤسسات ذات النفع العام وموارد الطبيعة الكبرى ووسائل الإنتاج الكبير، ملك الأمة وتديرها الدولة مباشرة". وقد أقر المؤتمرون تحديد الملكيات الزراعية والصناعية الصغيرة، بشكل يمنع استثمار الأفراد، ويتناسب مع المستوى الاقتصادي للبلاد.
17- نصت المادة العاشرة على أن يؤسس مصرف قومي واحد يصدر عنه النقد الذي يسنده الإنتاج القومي، كما نصت المادة الحادية عشر على أن الدولة تشرف إشرافاً مباشرا على التجارتين الداخلية والخارجية، لإلغاء الاستثمار وحماية الإنتاج القومي.
18- أقر المؤتمرون في سياسة الحزب الاجتماعية أن الأسرة خلية أساسية في الأمة، وإن النسل أمانة في عنق الدولة، وإن البداوة حالة اجتماعية ابتدائية، تشل نمو الأمة وتقدمها، ولذلك فتحضير البدو ضرورة قومية. كما أقر المؤتمرون أن العمل إلزامي، وأن الدولة تضمن لكل فرد عملا لائقا، وتسن تشريعا عادلا للعامل وتكفل التأمين الاجتماعي. كما أقر المؤتمرون في سياسة الحزب التربوية أنه من الضروري طبع كل مظاهر الحياة بطابع قومي عربي، يحفز الأمة إلى أن تتطلع إلى مستقبل مجيد، وإن التعليم من وظائف الدولة، وإنه مجاني. وإن إنشاء مدارس مهنية مجانية، وإنشاء جامعات عربية وتوسيعها واجب من واجبات الدولة، وجعل اللغة العربية رسمية فيها.
لقد أكدت قرارات المؤتمر التأسيسي على أهمية أن تتخذ الأنظمة العربية خطوات عملية في سبيل الوحدة، وهي:
أ- توحيد القوى العسكرية في الأقطار العربية.
ب- توحيد التمثيل الخارجي.
ج- إلغاء جوازات السفر بين البلاد العربية.
د- إلغاء الحواجز الجمركية.
19- أقر المؤتمرون التمسك بالنظام الجمهوري وتقويته، لأنه النظام الأصلح لممارسة الشعب حقوقه..حقا لقد كان المؤتمر الأول لحزب البعث العربي حدثا تاريخيا مهما في حياة أعضاء الحزب الذين تيقنوا أن (الطبقة الحاكمة في البلاد العربية، بحكم تركيبها وتربيتها ومصالحها، عاجزة، إن لم نقل كارهة، عن تحقيق التحرر القومي التام، وتحقيق الوحدة بين أجزاء أرض العرب "البعث 11 آذار 1947")، وأن التعاون الذي حققه ميثاق الجامعة العربية هو تعاون قاصر قد يتحقق مثله بين دول غريبة متباينة في اللغة والعنصر والتاريخ، وبعيدة عن بعضها في الإقليم والقارة. فالميثاق في مجموعه، إقرار لحالة التجزئة الراهنة في العالم العربي وتوكيد للنزعات الشخصية في الفئات الحاكمة، وإذعان من دول الجامعة لسياسة الأمر الواقع الذي سهّل عليها التراجع أمام مطامع الأجنبي ضد بعض أجزاء الوطن العربي، كاعترافها بعدم بلوغ فلسطين طور النضج السياسي، وإهمالها شأن الأجزاء العربية الأخرى في أفريقيا الشمالية وغيرها. وسكوتها عن الخطر الصهيوني وعن اغتصاب تركيا للواء الاسكندرون- نشرة داخلية 12 نيسان 1945م- (فالواقع الذي يتضح يوما بعد يوم هو أن الجامعة، ليست خطوة في طريق الوحدة العربية بل عثرة. إن ميثاق الجامعة العربية صورة ناقصة مشوهة لأماني العرب الحقيقية في الوحدة، لأنه صادر عن حكومات، هي صورة ناقصة مشوهة لحقيقة الشعب العربي. ولكن هذا الميثاق بالرغم من علله ونواقصه، قادر على تحقيق بعض الخير الأكيد لبلاد العرب، فيما لو استطاعت الحكومات أن تخلص له وتفيد من جميع إمكاناته "افتتاحية البعث 12 آب 1946").
لقد أتت قرارات المؤتمر التأسيسي لترد على كافة السلبيات في محيط الأمة التي رافقت مرحلتي التبشير الفكري والتبشير والتمهيد التنظيمي، ولترد على كافة النواقص التي أحاطت بالمرحلة في ظل الاحتلال الأجنبي لهذا أو ذاك من الأقطار، أو الأنظمة الجديدة التي استلمت هذا أو ذاك من الأقطار إثر الاستقلال وجلاء قوات الأجنبي، ولتؤكد على أن التحرر الحقيقي والاستقلال الصادق والجاد يكمنان في السعي الجاد لتحقيق وحدة الأمة العربية والخروج من شرنقة الانكماش وسياسة التجزئة والانفصال، وفي الرغبة الجادة في سبيل تحقيق الوحدة، وفي التمرد على الهيمنة والنفوذ الأجنبي عليها، الذي كان مهيمنا أو مخيما على معظم الأقطار العربية. كما تكمن قوة الأمة العربية في العمل الجاد على إزالة الحواجز وتجاوز الحدود التي فرضها الأجنبي على الأمة العربية، وأن النضال الموحد داخل الساحة القومية كفيل بإنقاذ الوطن العربي من جرائم وبراثن الاستعمار وتحريره من مآسي الفقر والجهل والإقليمية والطائفية وسياسة الاستئثار، وأن البديل للتجزئة والتخندق والتقوقع داخل الحدود القطرية هو إنشاء جبهة شعبية عربية أو جامعة عربية شعبية تتخطى الحواجز والحدود التي فُرضت على الأمة من قبل الأجنبي.
هذه بعض من قرارات المؤتمر التأسيسي (المؤتمر القومي الأول) التي لا شك كانت دافعا قويا للحزب ولأعضائه كي ينتشر وكي يتوسع أعضاؤه أيضا في علاقاتهم بالجماهير والقوى الشعبية المختلفة والتي كانت مرتكزا أساسيا لانتشار فروعه في معظم أقطار الأمة، وهذا ما سنتناوله في حلقاتنا القادمة.

المراجع:
في سبيل البعث- الجزء الأول - الكتابات السياسية- ميشيل عفلق.
حزب البعث العربي الاشتراكي- مرحلة الأربعينيات التأسيسية 1940- 1949م- شبلي العيسمي.
البعث والوطن العربي- الدكتور قاسم سلام.
الإحياء نت

نضال البعث في اليمن: لمحات موجزة من تاريخ البعث (4)

لمحات موجزة من تاريخ البعث
 
الإحياء نت
 الدكتور قاسم سلام
الحلقة الرابعة


كنا قد أشرنا في الحلقات الثلاث أن فترة التبشير امتدت من عام 1935م مُدشَنة بعهد البطولة وتواصلت أفكار القائد المؤسس أحمد ميشيل عفلق متدفقة في توسيع دائرة المبادئ وترسيخها والسعي الجاد والمسئول لبلورة منطلقات البعث الفكرية، وما أن وصلت عام 1940م حتى اتجهت سبيلا جديدا مستوعبة الأفكار التي أكد عليها القائد المؤسس في منتصف الثلاثينات، تلك الأفكار التي: (تحمل الدعوة إلى ضرورة اجتياز كل المعارك ضد الاستعمار وكل مخلفاته، وتجاوز الحدود القطرية، ليتبنى هذه الدعوة كل الشعب العربي، من خلال أداة نضاله الذاتية- الحزب- الذي أتى ليجسد بنيته التنظيمية "القومية العربية"، تجاوز الحدود المصطنعة وكل الأفكار "القطرية"، بل كل ما يمكن أن يؤدي إليه القبول العملي بهذا الوضع القائم. إن اتجاه البعث النظري الذي شرع في الظهور، كان يحمل منذ البدء صفاءً في المضامين الاشتراكية. ولم تكن هذه على الإطلاق طرحا مجدداَ وشكليا لقوانين عامة، بل كانت عبارة عن إدراك للجدل الفعلي بين الوحدة والحرية والاشتراكية التي يطمح إليها المجتمع العربي والشعب العربي، وذلك كنتيجة محتمة لمجابهة النفوذ الاستعماري بالمنطقة).....نعم ففي الوقت الذي يناضل فيه البعث في الحقول السياسية العامة يناضل في الحقول الاجتماعية والاقتصادية ليصل إلى شاطئ الأمن والاستقرار الوطني والقومي القائم على العدل والمساواة وترسيخ أسس المجتمع العربي الاشتراكي الديمقراطي الموحد.
لقد فطن البعث (أن الاستعمار ليس احتلالا عسكريا فحسب ينتهي بالجلاء والاستقلال، وإنما هو فوق ذلك كله، استقلال اقتصادي وربط مصالح البلاد بمصالحه الذاتية وامتيازاته واحتكاراته، فالاستعمار لا يعتمد في تنفيذ أغراضه على قواه وحدها، إن له حلفاء من الطائفية والإقطاع والعشائرية والعنصرية والرأسمالية المرتبطة به). فما أشبه اليوم بالبارحة بعد أن تأكدت هذه الصورة التي رُسمت في الثلاثينات عمليا، اليوم في أكثر من قطر عربي وبشكل خاص بعد أن تبلورت بمفرداتها "الخبيثة" على أرض العراق المحتل والذي تكالبت عليه كل قوى التخلف والتجزئة والردة، لتترجم بكل وضوح وخسة ولؤم أهداف ومصالح الاستعمار الأمريكي والاحتلال الصهيوفارسي، بكل وضوح من شماله إلى جنوبه، حيث تداخلت أهداف الاستعمار والاحتلال الفارسي والإستراتيجية الصهيونية بصورة جلية مؤكدة "وحدتها المعقدة والمتناقضة في حد ذاتها" في مجال القوى التي وجه البعث هجومه عليها عبر رؤيته العامة المؤكدة على أهمية "الكفاح الشعبي" وتطوره، وذلك بعد أن أدرك منذ وقت مبكر بحس وطني قومي إنساني "جذرية الصراع ومستوياته المختلفة معتمدا في تحليله وفهمه للعلاقة الجدلية بين الفكر والتنظيم الذي يعنيه، والحزب الذي يسعى في تبشيره عبر المسيرة التنظيمية إلى محطة تأسيسه"، مؤكدا على ما شدد عليه القائد المؤسس أحمد ميشيل عفلق "إما أن نأتي بشيء مبدع خطير يقلب حياة العرب من الذل إلى المجد ومن الانحطاط إلى الرقي، وإما أن تفشل محاولتنا فشلاً تاما. لن نعرف الحل الوسط، وقديما قلنا في أكثر من مناسبة أن التطور يعني التأخر، وأننا لا نستطيع أن نعتنق النظرة النسبية"... مضيفا "إننا نشعر بأن مجتمعنا العربي بحاجة إلى أن يغالب نفسه ويناضل نفسه، بحاجة إلى بذل جهد ومشقة كبيرة حتى يسترد ذاته الحقيقية، حتى يصل بالجهد والمشقة إلى أصالته، حتى يتحرر من الزيف الذي أصابه. ولا يكون التحرر سهلاً ولا بدون ثمن..... إن الآفات التي يشكو منها مجتمعنا ليست بالآفات السهلة، فالفكر مقيد مستعبد فقير هزيل مقلد، والشخصية سطحية ضعيفة الثقة بنفسها، لا تقوى على الاستقلال ومجابهة الأمور بصراحة، والروح فقيرة وناضبة، آفاقها محدودة وجوها هابط منخفض."
إذن كان الهدف من إنشاء حزب البعث ليس هدفا شكلياً وإنما كان الهدف أن يُوجد حزب أمة يقود ثورة قومية تعيد للأمة ثقتها بنفسها ووجودها في حاضرها ومستقبلها المعبر عن قيام مجتمع ديمقراطي موحد، وبقيام "تنظيم" موحد في بنيته "الاجتماعية" المستندة إلى نظرية ثورية تحقق أهداف البعث في الوحدة والحرية والاشتراكية، عبر نضال عنيد وفق إستراتيجية موحدة، تتفاعل معها "الجبهة الاجتماعية" و"الجبهة السياسية" كتعبير عملي عن طموح وأهداف الأمة العربية... الأهداف التي أكد عليها القائد المؤسس في باكورة أفكاره والتي برزت إلى حيز الواقع عام 1935م إذ قال: "إن صفحة الضعفاء والنفعيين والجبناء يجب أن تُطوى، وتحل محلها، صفحة جديدة يخطها الذين يجابهون المعضلات العامة، ببرود العقل ولهيب الإيمان، ويجاهرون بأفكارهم ولو وقف ضدهم أهل الأرض جميعا"... مضيفا: "لهم صدق الأطفال وصراحتهم وحياتهم، لا فرق بين باطنها وظاهرها، قساة على أنفسهم قساة على غيرهم، لأن غايتهم الحقيقة لا أنفسهم، وإذا تبينوا الحق في مكان أنكر من أجله الابن أباه، وهجر الصديق صديقه".
لقد دشن الحزب بداية مسيرته السياسية شبه "المنظمة" مع بداية الأربعينات إذ يقول الأستاذ شبلي العيسمي: "في مطلع الأربعينات لم يكن الحزب الوليد، سوى أفراد قلائل يسهمون في التظاهرات والمناسبات الوطنية، مع القوى السياسية العامة في القطر السوري ضد السلطات الفرنسية التي كانت تبذل قصارى جهدها، للإبقاء على كامل سيطرتها في سوريا ولبنان، برغم هزيمة فرنسا أمام ألمانيا"... ويضيف: "مع بداية عام 1941م أصدر الحزب، بل الحزبيون، بيانا سياسياَ باسم "حركة الإحياء العربي"، استنكروا فيه تراجع شكري القوتلي، أبرز قادة الكتلة الوطنية، وذلك بإنهائه إضرابا شعبيا، دام شهرا كاملا في المدن السورية احتجاجا على سياسة التضييق السياسي والاقتصادي التي اتبعتها السلطات الفرنسية وأدت إلى انخفاض الليرة السورية، و شحَّة المواد التموينية".
لقد أراد حزب البعث من خلال هذا البيان "أن يطرح نفسه على الرأي العام وأن يعبر عن أسلوبه الجديد في فهم العمل السياسي، وهو الصلابة، والصمود، وعدم مهادنة الاستعمار، والتراجع أمامه"، مواصلا نضاله على الصعيد الوطني مطالبا بإجراء انتخابات حرة، وإلغاء الرقابة على الصحف، موسعا موقفه المعارض مندداً بموقف الطبقة الحاكمة المنتدبة من قبل الفرنسيين، دون أن يُغفِل امتداداته القومية، متفاعلاً مع "ثورة أيار في العراق"، داعياً إلى تشكيل "حركة نصرة العراق" والتحريض والدفع "إلى التطوع والمشاركة الفعلية فيها". لقد كان هم الحزب وقيادته المتمثلة بالأستاذين عفلق والبيطار توسيع دائرة الوعي الوطني بأبعاده القومية وتوحيد كل القوى الوطنية في تلك المرحلة لمواجهة الظروف الدقيقة التي تعيشها سوريا والعراق ولبنان وفلسطين، وفي نفس الوقت الذي كان البعث يواصل نضاله المبدئي الوطني والقومي كان دقيقاً بتوضيح كل تحركاتهما (تحركات الأستاذين عفلق والبيطار) بهدف ترسيخ الوعي لدى البعثيين والاطمئنان، مؤكدين أن التحالفات التي تقتضيها المصلحة الوطنية في ظرف زمني محدد لا يمكن أن تخرج عن مبدئية البعث ولن تكون "إلا على أساس الاحتفاظ باستقلال شخصية الشباب القومي، الذي يمثلانه. وإن المطاليب الوطنية هي الحد الأدنى للمطاليب القومية". إن هذا الموقف كما يشير الأستاذ شبلي العيسمي "لن تكن انعطافا ومنطلقا جديدا في مسيرته، فإن فيها سلوكا لأساليب جديدة، في النضال والعمل السياسي، لم تكن مألوفة لدى البعثيين الأوائل، لأنهم كانوا، قبل ذلك التاريخ، مشبعين بفكرة المعارضة العنيدة، للفئات الحاكمة وللأوضاع السياسية القائمة من دون أية مهادنة أو تساهل، باعتبار أن "طريقهم طويلة" وإن "جيلهم سيبقى زمنا طويلا في دور النضال، وإنهم يحملون رسالة لا سياسة". هذا التعليق يأتي بعد تصريح للأستاذين عفلق والبيطار يشيد بإخلاص القوتلي واستقامته ونزاهته بعد موقفه الصريح والواضح ضد الفرنسيين وتفاعله مع الحركة الوطنية المتصدية للاحتلال ومشاريعه. فكان هذا الموقف مدخلا لتوضيح وإقرار المنطلقات التالية في العمل السياسي كما يقول الأستاذ شبلي العيسمي، وهي:
1- إن المثالية التي يجب أن يتميز بها البعثيون، يجب أن لا تكون خيالية، تتجاهل الواقع، بل عملية تدخل الواقع لتسيره وتغيره، وهكذا بدأ بوضوح يبرز أسلوب التكتيك والمرونة والمسايرة لمتطلبات الظروف الواقعية.
2- إن المشاركة بالانتخابات النيابية، لا تتناقض مع العقيدة والتشدد في المبادئ، بل إنها وسيلة فعالة من وسائل النضال لتحقيق أهداف البعث.
3- جواز المهادنة لبعض القوى التي يحاربها الحزب، بل والدخول معها في جبهة واحدة، إذا كانت الظروف تستوجب ذلك. وقد أخذ الحزب فيما بعد، يطبق هذا المبدأ كلما استدعته الحاجة.
4- إن عوامل التأثير المتبادل، بين القيادة والقاعدة في الحزب، ازدادت قوة ووضوحا، بعد هذا التصريح.
هكذا تمكن الحزب قبل مؤتمره التأسيسي أن يوسع احتكاكه ونشاطه بين الجماهير، وطرح أفكاره وأهدافه ومبادئه على أوسع نطاق، وقد أتى بيان الأستاذ ميشيل عفلق الانتخابي عام 1943م معبراً عن موقفه وأهدافه بعيداً عن بهرجة الحملات الانتخابية، والسبل التقليدية المتبعة بحثا عن الفوز الظرفي، مؤكدا "بأننا لن ندخل الحكم عاجلا، وفي صف النضال سنبقى طويلاً" ويقول الأستاذ شبلي العيسمي "إنما كان بيانا، يوضح الأهداف السياسية للحزب، والأساليب الجديدة التي يريد السير على أساسها. وهذه المناسبة كانت من أبرز المناسبات التي تحرك فيها الحزب لطرح نفسه، وشرح مبادئه على الصعيد الشعبي. ومن قراءتنا لهذا البيان نجد من حيث الأهداف والمبادئ ما يلي:
1- التوكيد بشيء من المثالية، على الفكرة القومية الحية، الممثلة للروح العربية والبعيدة عن اللفظية والاصطناع.
2- التوكيد على الشخصية العربية، وروح الأمة وماضيها، وعلى وجوب حمايتها من غزو الثقافات والفلسفات الغربية والتي تطمس شخصيتها وتعرقل وحدتها.
3- أن لا تبقى الثقافة مجردة، بل وسيلة لتقويم الأخلاق وتنشئة المناضلين.
4- شجب الطائفية والإقليمية و النعرات الضيقة المحلية.
5- شجب الشوعية الممثلة للمادية، والتقدم المصطنع.
6- محاولة التوفيق والمصالحة بين القومية والدين أو بين العروبة والإسلام.
7- التوكيد على أهمية الحرية وضرورتها، من أجل الانبعاث والتقدم ولأنها جوهر العروبة، ولأن الأمة الحرة تتكون من أفراد أحرار.
8- الاهتمام بوحدة الأقطار العربية على أساس الفكرة التي يمثلها الشعار "أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة"...
أما من حيث طبيعة العمل وأسلوبه، فنجد ما يلي:
1- نبذ الأسلوب الميكافيلي السائد بين السياسيين، وتقرير الأسلوب الأخلاقي في العمل السياسي، برفضه منطق "الغاية تبرر الواسطة".
2- يقرر أن الفساد عام وشامل، وأن الثقة مفقودة بالسياسة السائدة الفاسدة، المفتقرة إلى التنظيم والعقيدة، وإن الآلام عميقة، والأمراض مستفحلة، لا تنفع معها حيل السياسة، وبراعة السياسيين، بل تتطلب جيلا عربيا جديدا واعيا منظما مناضلا مؤمنا برسالة أمته.
3- يقرر التضحية بالفرص العارضة، وبالنجاح السريع في سبيل المستقبل المضمون، ويؤكد ضرورة العمل بالنَفَس الطويل. فيرى أن المهمة "شق الطريق لا تعبيدها، رفع الأشواك لا زرع الرياحين، غرس البذور الخالدة، لا قطف الثمار اليانعة ومن ثم يقرر عدم الاستعجال في الوصول إلى الحكم بل البقاء طويلا في صف النضال".
وبالرغم من التعقيدات والمشاكل التي تعرض لها البعث بعد الانتخابات النيابية، فإن الحزب صعَّد من تحركه الفكري ليس على صعيد الساحة السورية وإنما على صعيد الوطن العربي الكبير منطلقا من التركيز على قضية فلسطين التي اعتبرها قضية مركزية في نضاله، وخاض معركة تحريضية واسعة لتشكيل فرق الجهاد للدفاع عن حرية البلاد العربية كلها واستقلالها، متصدياً لكافة المواقف التي أٌقرت بفتح فلسطين للهجرة اليهودية وتصريحات روزفلت المؤيد فيه هجرة اليهود إلى فلسطين، وفي نفس الوقت وجه الحزب انتقاداته المكثفة للأنظمة العربية التي كانت آنذاك تتربع كراسي الحكم تحت رعاية وحماية القوى الأجنبية، وبادر إلى تشكيل مجاميع للكفاح المسلح كي تشارك في حرب فلسطين عام 1948م، وكان قراره:"بتجنيد جميع أعضائه للاشتراك في القتال والمجهود الحربي، وإرسال المتطوعين المقاتلين إلى فلسطين بقيادة لجنة الحزب التنفيذية وعلى رأسها الأستاذ ميشيل عفلق، كما استمر في إصدار البيانات وتحريك التظاهرات الشعبية، لفضح المواقف المتخاذلة للحكام ودفعهم باتجاه التعبئة الجديدة، وخوض المعركة بجد وصدق".
لقد كان البعث في موقفه هذا منطلقا من قناعته أن "القضايا العربية ككل لا يتجزأ"، وأن "مصلحة الأقطار العربية واحدة"، داعيا إلى تشكيل "جامعة عربية شعبية"، لا تخضع للسياسة الأجنبية والإقليمية "ممثلي الحكومات" وأنانيتهم الضيقة.
لقد كان هذا الاستعراض ضروريا يوصلنا إلى التأمل لمعرفة أهداف المؤتمر التأسيسي المنعقد في 4-7 نيسان 1947م، ويمكّننا من قراءة صحيحة لقراراته التي شكلت مرتكزاً لانتشاره التنظيمي في مختلف الأقطار العربية واتساع ساحته الفكرية والسياسية.
المراجع:
في سبيل البعث- الجزء الأول - الكتابات السياسية- ميشيل عفلق.
حزب البعث العربي الاشتراكي-مرحلة الأربعينيات التأسيسية 1940-1949م- شبلي العيسمي.
البعث والوطن العربي- الدكتور قاسم سلام.
الإحياء نت

نضال البعث في اليمن: لمحات موجزة من تاريخ البعث (3)

لمحات موجزة من تاريخ البعث
 
الإحياء نت
الدكتور قاسم سلام 
الحلقة الثالثة


قلنا إن فترة طويلة امتدت بين بدايات التبشير الفكري والتنظيمي لحزبنا وظهوره كحزب منظم ، تلك الفترة ليست إلا تعبيراً عن ضرورة فرضتها عوامل موضوعية جنبت الحزب الخلق العشوائي أو الشكل العشوائي للوعاء التنظيمي ، فكانت أساسا في بلورة التوجه نحو ترسيخ نظرية تنظيمية معبرة عن أيديولوجية حزب الأمة الثورية مما يؤكد أن القائد المؤسس احمد ميشيل عفلق رحمه الله كان مدركاً وواعياً ومستوعباً لأهمية اللحظة التنظيمية لحزب الأمة ، بل ومستوعباً استيعاباً كاملاً جوهرها في سياق جهادي يربط النظرية بالعمل والعمل بالبعد النظري والجوهري العقائدي لحزب يرى مستقبله في حاضره النضالي ويرى صورة الأمة كلها متجسدة في هذا الواقع النضالي وبعده الفكري العقائدي ومعتبراً هذا الحاضر صورة حية لمستقبل الأمة كلها وأتت السنون والأحداث لتؤكد على أهمية هذا الطرح ، بل لتعزز أن جدية البعث في تعامله مع قضايا الأمة هي التي أوحت للقائد المؤسس/أحمد ميشيل عفلق رحمة الله عليه كي يربط مسيرة البعث النضالية بأهداف الأمة وطموحها ويؤكد على الطريق الجهادي لتحرير الأمة والثقة بها وبقدرتها على تجاوز التحديات في سياق عملية فرز تاريخي في مسيرة الأمة فيقول : (عندما ينفتح طريق النضال الجدي أمام طليعة الأمة العربية عندها تتوضح الفوارق بين النوع الجدي من المواطنين ، النوع الذي حرر نفسه من المصلحة والشهوات ، وبين النوع الذي استعبدته المصالح والذي ضعفت نفسه عن الإيمان بكفاءة أمته وبقدرتها على إنقاذ نفسها بنفسها . مجرد هذا الانقسام ، مجرد هذا التوضيح بين النوعين ، ينقذ الأمة من الغموض الذي تعيش فيه ، ومن الشك ، لأنها ترى صورة صغيرة عن مستقبلها ، لأنها تلمس جزءاً من حقيقتها التي تشعر بها والتي أصبحت حقيقة واقعة أمامها . )
في سبيل البعث ص 68 دار الطليعة للطباعة والنشر .
وعوداً على بدء لقد أكد القائد المؤسس في أكثر من مكان انه لا يمكن الفصل بين حركة الفكر وأداته التنظيمية ، بل لا يمكن للجماهير أن تتحرك بدون التنظيم ولا يمكن تحقيق الأهداف المرجوة أيضا ، بدون هذا التنظيم . وهكذا كانت البدايات . فالحزب .. حزب الثورة العربية يحمل فلسفة وفكراً عقائدياً قومياً لا بد له من تنظيم قومي يمتد إلى كافة ساحات الأمة متجاوزاً تلك الأحزاب التي ترجمت وتترجم في بنيتها التنظيمية ( الحدود القطرية ) لسياستها مما يعزز المبدأ القائل بأن الفكر القومي يحتاج إلى منظمة قومية حتى تتمكن من نشر أفكار البعث خارج حدود القطر الذي نشأ فيه ، وهكذا كان التركيز من قبل القائد المؤسس على فكرة (التنظيم الانقلابي ) معتبراً أن البعث العربي ينبغي أن يحقق انقلاباً جذرياً في حياة الأمة حتى يتميز عن غيره من الأحزاب والتنظيمات السياسية التي حكمتها ظروف المرحلة وسيطرت على فكرها وسلوكها فكان البعث بهذا قد ميز نفسه ويقول القائد المؤسس أحمد ميشيل عفلق رحمه الله في هذا الصدد (إن الصفة المميزة للبعث العربي هي انقلابيتة )
في سبيل البعث ص71 دار الطليعة للطباعة والنشر
مؤكداً أيضا على إن (الانقلابية) ( تفرض كذلك نوعاً معيناً من التنظيم والسلوك في داخل الحزب)
 نفس المصدر .
وهنا تبرز أهمية هذا الحزب بفكره وأهمية تنظيمه إذ يؤكد القائد المؤسس على ذلك قائلا:( انه الحزب) لا يستطيع أن يؤدي مهمته إلا باتباع أسلوب صارم شديد يضمن له وحدة الاتجاه وتماسك العمل وقوته ، ولقد أدت حركة البعث العربي للقضية العربية حتى الآن خدمتين كبيرتين ، الأولى توضيح الأهداف العربية الصحيحة وما بينها من ترابط ووحدة ، والثانية توضيح الطريق الصحيح التي تضمن تحقيق هذه الأهداف )
نفس المصدر السابق.
سمة تميز البعث بها عن بقية الأحزاب ، أما على صعيد الموضوع الذي نحن بصدد تناوله فإن هذه السمة تكمن في طموح البعث نحو نشر تنظيمه داخل ساحة الأمة كلها وبين أفراد الأمة العربية أينما كانوا . وهذه السمة هي التي حكمت سلوك ونضال البعثيين الأوائل سواء في مرحلة التبشير الفكري أو التبشير التنظيمي تلك اللحظتان اللتان أوصلتا أولئك القادة إلى مؤتمرهم التأسيسي الأول ، وهي التي شدت أولئك المناضلين البعثيين الذين كانوا يدرسون بالقطر السوري من أبناء الأقطار العربية إلى تلك الأفكار الكبيرة ، وتلك الأهداف العظيمة ( وحدة حرية اشتراكية ) وذلك الشعار الخالد الذي رفعه البعث (أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة ) كعناوين لمسيرته النضالية وكأهداف وشعار يحققونها للأمة العربية ... أولئك الطلبة العرب الذين تفاعلوا مع شعار الحزب وأهدافه وعاصروا نضال مؤسسي الحزب في القطر السوري هم الذين حملوا صوت البعث إلى مختلف أقطار الوطن عندما عادوا إلى أقطارهم بعد أن كانوا بصورة عامة أعضاء فيه وشاركوا في مؤتمره التأسيسي المنعقد بين 4 - 7 نيسان 1947م في صالة مقهى ( الرشيد ) الصيفي في دمشق ، تلك القاعة التي تحولت الحركة البعثية فيها من ( حركة بعثية عامة ) إلى ( حزب قائم بذاته ) ، وفي تلك القاعة سمي ذلك الاجتماع (بالمؤتمر التأسيسي لحزب البعث العربي ) واعترف به رسمياً فيما بعد على انه أول مؤتمر قومي لحزبنا .
وسنتناول في الحلقة القادمة كافة المواضيع التي عالجها والموقف الذي خرج به كحزب يعبر عن الأمة كلها وليس عن قطر بذاته.
الإحياء نت

نضال البعث في اليمن:لمحات موجزة من تاريخ البعث (2)

لمحات موجزة من تاريخ البعث
 
الإحياء نت
الدكتور فاسم سلام 
الحلقة الثانية


حقاً كانت و ماتزال منطلقات البعث التي ترى الوطن العربي كلاً لا يتجزأ ، والحرية والوحدة والاشتراكية أهداف تترابط ترابطاً جدلياً لا يمكن الفصل بينها ، من هنا كان الترابط وكانت الوحدة الجدلية القائمة بين النضال القومي والنضال الاجتماعي واضحة في مسيرة البعث ومنطلقاته الفكرية والسياسية ، وكانت مسيرته التنظيمية هي الأخرى دليل عملي على حيوية هذه الأهداف وتأكيد واقعيتها ، وهكذا تميز البعث عن غيره من الأحزاب التي سبقته أو رافقت مرحلة التبشير والتأسيس ومرحلة البدايات التنظيمية ، بمختلف اتجاهاتها السياسية والفكرية .

وإذا كانت الثلاثينات - كما قلنا - بداية الإعلان ومنطلق التبشير والدعوة البعثية ، فإن الأربعينات كانت أصدق تعبير عن التفاعل بين التبشير والتأسيس، والتكامل بين حركة الفكر وأهمية الوعاء التنظيمي له ، فتداخل النضال الفكري والسياسي والتنظيمي تداخلاً جدلياً ليعبر عن الوحدة والحرية والاشتراكية ، وعن الأمة العربية ذات الرسالة الخالدة .. هكذا عبرت حركة البعث عن نفسها في بداياتها الأولى وعلى لسان مؤسسها احمد ميشيل عفلق رحمة الله عليه،وأكدت أنها :(استمدت من تجربة حركة الاستقلال العربي والوحدة العربية منطلقها القومي ، ومن تجربة النضال الوطني في سوريا منطلقها الجماهيري (الشعبي) ومن متابعة التراث العالمي منطلقها الاشتراكي ، وهي في هذا كله لم تكن منفعلة ، بل كانت متطلعة دوماً إلى بناء نظرية نضالية من خلال تحليل الواقع العربي وممارسة النضال ، من خلال معارك مستمرة ضد جميع القوى المعادية لتحرر الجماهير العربية ولتقدمها ولوحدة كيانها القومي) (1)، (وقد عبّر البعث عن نفسه في بداية 1941م من خلال بيان باسم (حركة الإحياء العربي) عبّر خير تعبير عن منهجه النضالي على الصعيدين السياسي والاجتماعي داخل القطر السوري ، وكذلك نضاله القومي متلاحماً مع ثورة أيار في العراق ،فشكّل (حركة نصرة العراق) لدفع المواطنين إلى التطوع والمشاركة الفعلية فيها) (2) .
إن هذا التفاعل والتكامل بين نضال البعث الوطني ونضاله القومي إنما يأتي تأكيداً عملياً لأفكار القائد المؤسس (أحمد ميشيل عفلق ) تلك الأفكار التي (تحمل الدعوة إلى ضرورة اجتياز كل المعارك ضد الاستعمار وكل مخلفاته وتجاوز الحدود القطرية ، يتبنى هذه الدعوة كل الشعب العربي من خلال أداة نضاله الذاتية - الحزب - الذي جاء ليجسد في بنيته التنظيمية (القومية العربية) تجاوز للحدود وكل الأفكار القطرية) .. ضمن هذا المفهوم يأتي موقف البعث مع ثورة أيار في العراق ، ومن وعيه وإيمانه أن المعركة واحدة وأن الساحة واحدة وأن الحرية لا تتجزأ ، من هذا المنطلق يأتي القائد المؤسس احمد ميشيل عفلق عام 1943م ليؤكد : (فالحرية جوهر العروبة واستقلال الرأي من أبرز صفاتها .. فالأمة الحرة لا تتألف إلا من أفراد أحرار . إن استفحال الأمراض التي تفتك بالأمة ، وعمق الآلام التي تحز في جسمها لم تعد تنجح فيها حيلة السياسيين مهما كانوا أذكياء بارعين ، ولا بد لها من مناضلين مؤمنين يستمدون روح نضالهم وأسلوبه من روح أمتهم وأخلاقها ، فالسياسة التي سادت حتى اليوم بانحراف خططها وضعف عقيدتها وخطأ تفكيرها وسطحية تنظيمها ، كفيلة لهدم دولة قوية ، فكيف بأمة محكومة ماتزال ببدء استيقاظها ، فنحن في تمردنا على هذه السياسة نعرف أننا نفصح عن ألم أكثرية الشعب ، وبدعوتنا إلى أسلوب جديد يقوم على الإيمان العميق والفكر الواضح والتنظيم الحي ، نعرف أننا نلبي أمنية مجموع الشعب ونحقق إرادته العميقة) (3).
لقد شدد البعث منذ البدايات الأولى لنضاله السياسي على قضية الحرية والاستقلال والوحدة والعدالة الاجتماعية ، وقاوم بصلابة وحزم الدعوات الانفصالية وسياسة المحاور وكل إشكال التعامل مع النفوذ الأجنبي والاستعماري في الوطن العربي ، معلناً الثورة على التخلف والظلم والرجعية والطائفية وكافة الأمراض التي خلفها الحكم التركي ومن بعده الاستعمار الغربي ، مركزاً في بيانه الصادر في 24 تموز / يوليو عام 1943 بدمشق : (نحن نمثل الروح العربية ضد الشيوعية المادية .. نمثل التاريخ العربي الحي ضد الرجعية الميتة والتقدم المصطنع .. نمثل القومية العربية التامة المعبرة عن حاصل الشخصية .. ضد القومية اللفظية التي لا تتعدى اللسان ويناقضها مجموع السلوك .. نمثل رسالة العروبة ضد حرفة السياسة .. نمثل الجيل العربي الجديد ) .
هذه هي طروحات حزبنا الإستراتيجية التي استند إليها المناضلون البعثيون في نضالهم داخل الساحة القومية ، وهي التي شكلت دليلاً نظرياً وعملياً لحركات فروع الحزب في مختلف أقطار الأمة في نسق متكامل متفاعل ، يرى البعث من خلالها الواقع العربي بوضوح كامل ، رافضاً شعار ( الخصوصية) المعبر عن مفهوم الانعزال ، فكان بذلك حاسماً حين رفض الجمود والتخلف والتعامل مع الرجعية وإرثها ، وكذلك النظرة التقدمية الزائفة واليسارية القطرية الضيقة اللاقومية . وقد شخص هذه الحالة بوضوح كامل الرفيق الدكتور اليأس فرح في كتابه (تطور الإيديولوجية العربية الثورية) قائلاً : (جاءت الأيديولوجية العربية الثورية لتلغي نوعين من الانحراف :
1- الرجعية التي تمثل انحراف الجمود والتخلف.
2- التقدمية الزائفة واليسارية القطرية (اللاقومية) التي تمثل التقدم السطحي المعزول والمتنكر أحيانا للحقيقة القومية والمتجاهل للصراع القومي للأمة العربية . كما أكدت الأيديولوجية العربية الثورية في جوابها على التيارين اللاقوميين على نقطتين أساسيتين :
أ- فكرة الديمومة والأصالة من جهة.
ب- فكرة الصيرورة والانفتاح من جهة أخرى) (4) .
وتأتي السنون والإحداث لتؤكد على أهمية ما أكد ت عليه طروحات ومنطلقات البعث الإستراتيجية ، ولتؤكد السنون أيضا أن المسؤول الأول والأخير هي البرجوازية المتحالفة مع الإقطاع و الأسر الكبيرة التي كانت و ماتزال متنفذة في بعض الأقطار حتى ألان إلى جانب الأنظمة المتخاذلة التي برهنت وتبرهن يوما بعد أخر عن ضعفها أمام الصهاينة وارتهان معظمها لأمريكا المتصهينة والغرب المستفيد من وجود الكيان الصهيوني على رض فلسطين المحتلة وفي قلب الوطن العربي، وسنتعرف أكثر على هذه الطروحات الإستراتيجية من خلال الاطلاع على مقررات مؤتمره التأسيسي المنعقد في نيسان (أبريل) 1947م)

المراجع:
(1) نضال البعث . الجزء الأول . ص 13 . دار الطليعة للنشر.
(2) مرحلة الأربعينات التأسيسية 1940 - 1949 شبلي العيسمي ص 28 .
(3) نضال البعث . الجزء الأول . ص 28 - 29 . دار الطليعة للنشر
(4) د. إلياس فرح الأيديولوجية العربية الثورية. المؤسسة العربية للدراسات والنشر . طبعة ثانية . ص 35 - 36